كثيرة هي الشخصيات التي دخلت التاريخ من اوسع الابواب وتخلدت ذكراها في سجل العظماء، وقطعاً سنكتب اسمائهم ذات يوم بحروف من نور عندما نتذكر مواقفهم الوطنية والانسانية النبيلة والشجاعة التي تحمل بين طياتها قوة الفكر وعِظَم المسؤولية وجُراة القرار، وكثيرة هي المواقف التي لابد لنا من استذكارها لاستحضار انفاس دافئة في لحظة انصاف وموضوعية ، كنموذج للعناوين الوطنية التي يحتذى بها والتي طغت بنقاء سريرتها وعمق محتواها على جميع العناوين الفرعية ، ومثال على ذلك السيد علي السيستاني اطال الله بعمره، بشهادة العالم الغربي قبل العالم العربي والاسلامي ، وما اختيار بابا الفاتيكان لزيارة تلك الشيبة الجليلة الا دليل على انه قد ذهب لطرق احد ابواب قامات الاعتدال والوسطية، ولم تؤخذ على الاطلاق على انها زيارة لمرجع شيعي بعنوانها الفرعي ، بل اخذت هذه الجزئية على اعتبار بانه مرجع إسلامي بعنوانه الرئيسي العام ، لأنهم عرفوا الإسلام على انه دين يؤمن بإزالة الفوارق العنصرية والطبقية، وان لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى، التي هي أهم سر من أسرار ديمومة هذا الدين العظيم.
صاحب البصر من يبحث عن الامور المرئية التي لا تنسجم مع الفلسفة الحقيقية لاسرار وبواطن الامور ، وصاحب البصيرة من يرى بفكره وعقله ووجدانه ويمتلك الشعور والاحساس العالي بالمسؤولية ، ويغلب المصلحة العامة على جميع المصالح الشخصية والفئوية، ومن يريد البحث عن القاسم الوطني المشترك الذي لايختلف عليه احد ، سيجد ان المرجعية الرشيدة هي المظلة الراعية والجامعة التي يتفق عليها الجميع دون استثناء، بكافة انتماءاتهم واعراقهم ومشاربهم، وهي الضياء الذي يستنير برأيه ويستأنس بعمق تفكيره اي فريق ، وهي الموسوعة الدينية والعلمية والاخلاقية التي ترشد كل من اضاع السبيل.
رجل طاعن في السن زاهد عابد يسكن في بيت متهالك، يحمل من العلم والفكر والرؤيا والاستشراف ينحني له العلماء ، استطاع توحيد الصف ودرأ الفتنة في وقت كاد داعش يوقف عجلة الحياة ، بعدما قامت القوى الدولية بتغذية ونشر خفافيش الظلام لتعيث في الارض فساداً ، المؤمن ايماناً قطعياً بما قاله جده الامام علي عليه السلام “الدنياً لاتساوي عندي عفطة عنز” قد طلّق الدنيا ثلاثاً ، يتفق الجميع بأنه يدخل للقلوب دون اذن مسبق .
بفتوى لا تتعدى العشرين حرفاً اربكت صفوف اعتى تنظيم شهدته الانسانية ، واصابت الجدار الداخلي لعقيدتهم الفاسدة بالهلع والتصدع والانهيار ، وقهرت جبروت الاستكبار العالمي واذلت عصابات اجرامية رائحتهم النتنة تزكم الانوف، مجاميع ارهابية استطاعت احتلال المدن وانهارت على اثرها قطعات الجيش بالكامل، يقابلها فتوى قلبت ودمرت معادلة سياسية خصصت لها الغطرسة الامريكية مليارات الدولارات ، وعشرات المراكز البحثية التي كانت تؤمن إيمانا قطعيا بضرورة ان تكون تلك المرحلة في العراق على غرار الفوضى الخلاقة وتكرار للحرب الطائفية التي حدثت عام ٢٠٠٦ – ٢٠٠٧ ، او المرحلة التي اُدخلت لأفغانستان وفيتنام وبقية الدول المستضعفة، لكن على ما يبدوا ان نظرية الصدمة والرعب قد جاءت هذه المرة مغايرة لنتائج ما يفكر به الشيطان، واصطدمت بواقع لم تلتفت لقوته الكامنة ولم تفكر بأن هذه الفتوى سوف تقهر التكنولوجيا التي تتبجح بها قوى الاستكبار العالمي ،التي غيرت على اثرها موازين القوى بكلمات بسيطة من السهل الممتنع التي اذهلت العالم وقلبت على اثرها السحر على الساحر.
اذا اردنا تسليط الضوء على الترهات الاتهامات الموجهة للمرجعية التي عادة ما يتحدث بها بعض الامعات، سنجد بأنها مرتبطة ارتباطاً كلياً بنفس الالة الاعلامية واسلوب الحرب النفسية التي استخدمتها قريش قبل اكثر من ١٤٠٠ سنة ، عندما اتهمت النبي محمد ( ص ) بالكذب والدجل والجنون تارة والخرافات تارة اخرى وصل الحد لضربه وشق رأسه، فما كان عليه إلا أن يصبر ويحتسب ، مروراً بواقعة الطف واستشهاد الامام الحسين عليه السلام الذي عانا من الظلم والجور الذي وقع عليه وعلى اهل بيته ، وانتهاءاً بالماكينة الاعلامية المأجورة والصفراء التي تحاول اليوم الاساءة للمرجعية، ولكن المقارنة العملية اقول ان من لديه رؤية عميقة ليس كالذي لديه رؤية سطحية ،ومن ينظر من ثقب الباب ليس كالذي يرى من خلال التلسكوب ويكشف الحقائق دون تزييف او تجميل، يدعم وضوحها مجهر قادر على ان يميز بين البكتيريا البشرية الضارة من البكتيريا البشرية النافعة.
انتهى …..
خارج النص/ حكمة المرجعية ليست بحاجة للاعلام..