هذه قصة حقيقية . لا أطلب منكم ولا أتوسلكم ولا أتسولكم لتصديقها أبداً .
كان عشائي الليلة متأخراً خفيفاً ولا يترك داء في المعدة أو كدمة في الجيب .
صحن صغير من لبن رائب على بعض دسم وأثر مائل نحو الصفرة ، ورغيف خبز قمحي رشت على خاصرته الواسعة حبيبات سود منكهة طيبة لا أعرف اسمها ، وثمة ماعون جد صغير يشبه مقعد استكان الشاي بمقهى حسن عجمي ، وقد تسوَّد بزيتون أسود من بقايا موسم مطبخ العائلة الطيب . حتى اللحظة لا توجد قصة بل هو توصيف بائس وممل يشبه جرجرة حبل ما إليه بعير ، لكن عليكم بالصبر وبالحكمة لأن الثيمة قد بدأت بالنمو الآن .
عند آخر لقيمة من هذا العشاء الكريم ، سقطت تحت المائدة كسرة خبز وحبة سوداء .
حملت صحوني القليلة وأعدتها الى مجلى الغسيل ونسيت أمر كسور الخبز والحبة السوداء ، وحيث عدت ثانية إلى المكان تذكرت ما سقط تحت الطاولة وعاينت المكان فلم أجد شيئاً ، وعندما أزحت نظري على مبعدة ذراع من سور الواقعة ، وجدت خيطاً طويلاً من نمل أحمر وأبيض وأسود وعلى رأس هذا الخيط الذي بدا أطول مما ظننت ، كانت ثمة ذرات من بقيا رغيف وحبات سود كثيرة ، وكان رتل الديدان يسير منتظماً مثل حشد جند عظيم .
وضعت قدمي أمام سطر النمل فتبعثر الجمع على الجهات الأربع ودخل بعضه تحت نعالي وفوقه وبين أصابع قدمي ، ثم أخذ طريقه تحت ردائي الفضفاض فصرت أضرب بكفي فوق ساقي وفخذي ، لكن المنظر صار ينمو بسرعة رهيبة ، وصعدت فلول الديدان اللعينة حتى غطت جسدي الضئيل كله وعششت تحت أبطي المشعرين ، فاستعملت أضافري في هشها وهرشها فتشكلت أخاديد عشوائية يجري فيها دم حار ولزج .
شعرت برعب شديد فصحت بصوت عال مستنجداً بعائلتي الحبيبة لكن أحداً لم يسمعني .
دخل الدود الآن بحلقي وخشمي فصرت أتقيأ وأسعل بقوة ومع كل سعلة تخرج من فمي ومنخري كتائب من ديدان تحورت وتبدل خلقها وكانت تضحك وتهلهل وترقص .
ثقل جسمي وقلَّت حيلتي وباد عظمي وصار الموت أقرب إليَّ مني ، فتذكرت عائلتي الرائعة وأديت بكائية الوداع الموحش ، وقبل النهاية بحشرجة ماء في بلعوم ، صاح المؤذن الله أكبر الله أكبر ، فصحوت منهكاً وتالفاً وغارقاً بعرق القصة اللعينة .