حينما تراود الروح نفحات من احلام جميلة تبدأ الحياة تزحف رويدا رويدا الى النفس البشرية وتتكون حالات معينة من سعادة ربما تظهر على السطح او تظل حبيسة الروح لحين تفجر تلك الاحلام وظهورها على ارض الواقع . اليوم لملمت اوراقي القديمة ووضعتها في حقيبتي وتوجهت الى الشارع العام اروم الذهاب – الى دائرة المحاربين – كما فعل ويفعل من لهم صلة او ذات علاقة بذات الموضوع الذي احلم به مع مئات البؤساء ان لم يكن الاف .
شخص معروف
اعداد غفيرة من نفوس بشرية بائسة وقعت يوما ما في قبضة الاسر في مناطق مختلفة من ساحات الحروب التي زجنا بها – القائد الهمام وحامي الديار ومنقذ البوابة الشرقية من الدمار – الشخص المعروف لكل من عاصر زماننا في الثمانينات والتسعينات قبل قدوم – رياح الحرب من خلف البحار لتحطم كل شيء على ارض العراق – اجساد بشرية تتقدم نحو دائرة المحاربين تحلم بكل ماتعنيه هذه العبارة من معنى ..تحلم براتب تقاعدي مجزي نوعا ما من هذا البلد او هذه الارض التي عاش عليها اؤلئك البؤساء. سنوات طويلة مرت وتمر وهم يطرقون – اي البؤساء – ابواب مختلفة لدوائر متباينة لعلهم يحصلون على جزء من حقوق الانسان – ان كان هناك حق للانسان على هذه الارض – تقدمتُ مع تلك الاعداد الحالمة وسلمت الاوراق الثبوتية التي تُثبت انني يوما ما كنت اسيرا في مكان ما مع اعداد تجاوزت المئات وسكنا بيت الاموات – معسكرات الاسر ولم نفكر يوما ما ان نتخلى عن بلدنا او نذهب الى جهة معينة تناهض او تقف ضد بلدنا وكنا نحلم ان الارض التي بقينا سنوات طويلة نحلم بالعودة اليها ستحضننا وتحتضننا وتكرمنا وتهبنا الشيء الكثير – لكن الغريب اننا شعرنا باننا غرباء حينما عدنا الى الارض الطيبة ولم تلتفت الينا تلك الارض لابل وضعت علينا وعلى اسماؤنا علامات استفهام كثيرة – باننا لم ” نكاون بطريقة جيدة – كما وصفها القائد – اللاضرورة  لعنة الله عليه في الدنيا والاخرة – عدنا بعد كل تلك السنوات وكأننا مخلوقات بشرية منبوذة لاتصلح للعيش على هذه الارض لا بل كاننا نستجدي جزءا من حقنا ..والغريب ان الاشخاص الذين هربوا الى السعودية وعاشوا في معسكرات رفحاء صاروا هم الابطال في كل شيء وصار الطفل الرضيع من ابناء اؤلئك الاشخاص يحصل على اموال طائلة كراتب تقاعدي ونحن البؤساء الذين ضاع عمرنا في الجحيم – جحيم الحروب بحجة الدفاع عن ارض الوطن لم نحصل على اي شيء – لم اعد اؤمن مطلقا ان هناك عدالة في العراق بقدر مثقال ذرة ..تغيرت الموازين وصار الحديث عن الفساد اكثر الاف المرات من الحديث عن الفضيلة. الوجوه والاجساد التي شاهدتها في دائرة المحاربين – وجوه بائسة فقيرة كأنها لم تنتمي الى هذه الارض ..
كانهم شحاذين قدموا للتسول من اجل حقوقهم. اعرف انني لن احصل على اي شيء على الرغم من انني قضيتُ احد عشر عاما في ارض التيه لكنني سلمتُ اوراقي كي لا افقد –حقي – كما قال لي – علي دولي – الزميل الذي كان معي هناك وهو الان مقعد على كرسي متحرك – وكذلك ماهر علوان – الذي راح يحثني على الذهاب وعدم نسيان بطاقة الصليب الاحمر – وحينما طلبت منه ان نذهب سوية اخبرنني بانه مصاب بجلطة دماغية ولايستطيع الذهـــــــاب لوحـــــــده وينتظر ابن شقيقته لأصـــــــطحابه الى هناك. نفوس بشرية لم يـــــبق منها الا اطلال تنتظر على قائمة الرحيل وانا واحد منهم. سائق التكسي الذي استاجرته لينقلـــــــــني الى البيت اكد لي – بأن هذه الظـــــــروف لابد ان تنتهي يوما ما ويعود العراق الى حالته الطبيعية – كنت اسخر من كلامه في قرارة نفسي ولم ارد ان اسبب له حالة من حالات الاحباط واخبره ان البلد دخل في حالة الموت السريري الاكيد .
مهما كانت الظروف ومهما كانت النــــــتائج فأننا مجبورين على الانتظار والتاقلم فمن يدري ربما ياتي جيل اخر يعيد الموازين الى حالاتها الطبيعية ويتحقق حلم البائسين الذين زارو دائرة المحاربين….وما ذلك على الله بعزيز.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *