سألني أحد الاصدقاء ..

كيف لك أن تكتب ، وأنت بهذا الوضع الصحي الصعب المزمن بألمه ومراجعاته وتبعاته الاخرى بما فيها العمر..

حوار طويل دار بيننا عن المرض والعمر وفصوله ..

صديقي العزيز ..

كل فصول السنة جميلة ، وإن كان الربيع أجملها … بما في ذلك الشتاء ، فهو جميل أيضا لولا إرتجاف الفقراء من البرد كما يقول شكسبير .. ومع ذلك فهو أحد فصول السنة وفيه من الحياة والحركة والنشاط ما في الفصول الاخرى ..

فيه سياحة شتوية تدر ما تدره السياحة الصيفية على البلاد ..

وفيه متعة التزحلق على الجليد خاصة بالنسبة للمحترفين .. وفيه أنواع من الفواكه والزهور والحبوب ، ما لا تجدها في فصل أخر ..

وفي الشتاء ينزّل اللهُ فيه من ( المعصرات ماء ثجاجا) ..

و في الشتاء لم تتوقف الانهار والوديان عن الجريان وتعزف الطبيعة أحلى معزوفاتها من الشلالات واصوات المياه وهي تعزف احلى الحانها بالماء وهو أساس كل شيء حي ..

و البلابل والطيور لم تكف فيه عن التغريد ..

تلك دروس تدعونا الى التأمل في شتاء العمر .. فلا نلغي هذا الفصل من أعمارنا أو نجعله فصلا كئيبا ، ، مظلما ، وفي داخلنا فيض من النور ، يكفي لإضاءة الزوايا المظلمة ..

وفي شتاء العمر فرصة لتحقيق ما يتمناه الانسان قبل فوات الاوان ..

هناك اشياء يندم الانسان على عدم تحقيقها أحصت الممرضة الاسترالية ( بروني ويبر ) خمسة منها في كتاب لها تناولت فيه بعضا من رغبات مجموعة من كبار السن تولت رعايتهم بحكم عملها ، وكانت تسألهم قبل وفاتهم عن أشياء ندموا على فعلها ، أو عدم فعلها ، وتمنوا أن تعود عقارب الزمن للوراء للقيام بها..

خامس هذه الاشياء كما ذكرت هو أنهم كانوا يتمنون لو (أدركوا معنى السعادة مبكرا بأنها حالة ذهنية لا ترتبط بالمال ، أو المنصب ) ، بل قد يجدها الانسان في أشياء بسيطة ، وتكون في متناول يده ، بما لا يتصوره من الوقت والجهد والكلفة ، وهي حالة لا ترتبط بظرف أو عمر ، أو طبقة اجتماعية.. فقد يكون الفقير أقدر من الثري على أن يلتقط السعادة من أشياء ( غير مالية ) لا يعرفها الاثرياء ، على حد تعبير أحد الكتاب ، لأنه لو كانت السعادة تباع وتشترى ، لما ضحك فقير ، او أبتسم جائع على حد تعبيره …

العمل والروتين المملل سرق بعضهم عن اسرهم واصدقائهم فتمنوا أن يعوضوها بعض ما قصروا فيه و الاتصال بالأصدقاء القدامى .. أصدقاء البراءة والصبا ليستذكروا معهم ايامهم وذكرياتهم الجميلة بعد أن إبتعدوا عنهم بسب ظرف الاسرة ومشاغل العمل ، الذي غالبا ما تنفرط العلاقة فيه مع إنتهائه ، إن لم تكن صميمية وانسانية .

قصص جميلة يمكن أن تفيد ليس فقط من هم في ربيع العمر ، وإنما من هم في شتائه أيضا ، لتلافي ما يمكن الندم عليه بعد فوات الأوان ، لكي لا يجعلوا من المال والسلطة والمنصب فقط ، أساس السعادة ، وهي قد تكون صعبة التحقق بالنسبة لهم..

قصص جميلة يمكن أن تفيد ليس فقط من هم في ربيع العمر ، وإنما من هم في شتائه أيضا ، لتلافي ما يمكن الندم عليه بعد فوات الأوان ، لكي لا يجعلوا من المال والسلطة والمنصب فقط ، أساس السعادة ، وهي قد تكون صعبة التحقق بالنسبة لهم..

أشياء كثيرة حولنا لا تكلفنا شيئا قد يهملها الانسان في زحمة الحياة والعمل فقد يأخذه الطمع والرغبة في جمع المال بعيدا على حساب اشياء أساسية بما فيها العلاقة الاسرية والانسانية ..

دروس وقصص وعبر يمكن استخلاصها من أولئك المرضى بالهوس المادي خاصة الذين حصلوا على المال بطريق لا يرضي الله والضمير ومنها قصص الفساد وتوحي أن ( أبطالها ) مرضى ، ويعانون من فراغ روحي ، وخلل عقلي ، لأنهم يتصورون أن السعادة تكمن في ما يملك الانسان ، وتزداد بتصاعد الرصيد المادي .. ..

و الندم فيها لا يفيد اذا كان بعد فوات الأوان ..

هذه التجارب وغيرها الكثير تدعونا الى أن نطرد الوهم من عقولنا بأنه كلما تقدم بنا العمر ، أصبحت السعادة بعيدة عنا ، والتعاسة أقرب الينا ..

السعادة متوفرة حولنا .. قد نجدها في أشياء لا حصر لها ، لا تكلفنا شيئا .. ويمكن ان نحصل عليها يسر وسهولة ، بالمحبة والود والحنان والتفاهم والتسامح والتعاون ..

في شتاء العمر يمكن أن نبعث الحياة من جديد ، ونضيء كل ما يبدو مظلما في محيطنا ..

فصل الشتاء مهم كبقية الفصول .. فلا نحاول أن نلغي هذا الفصل من أعمارنا بحجج غير منطقية ، ما دام فينا قلب ينبض ، وعروق تجري فيها الحياة ، فلا نجعله فصلا كئيبا ، ، مظلما ، وفي داخلنا فيض من النور ، يكفي لإضاءة الزوايا المظلمة .. وفيه قدر من الوقت لتحقيق ما تمنى أن يحققه اولئك الذين ندموا على أمور لم يفعلوها ، كما جاء في كتاب الممرضة الاسترالية ( بروني ويبر ) ..

وبذلك يكون الانسان سعيدا، متوحدا مع ذاته ، وصادقا مع غيره .. في شتاء العمر وخريفه كما هو في كل الفصول…

{ { {

كلام مفيد :

سأل أحدهم حكيما : أي انواع الموسيقى حرام ؟؟ أجاب الحكيم: صوت ملاعق طعام الاغنياء وهي ترن على مسامع الفقراء ..