في حادث مروري مرعب فقدت رشا حياتها ، وهي للتو فرحة ببيتها الجميل الذي لم يمض على انجازه سوى أشهر معدودة ، مخلفة ثلاثة أطفال أكبرهم في الصف الأول المتوسط ، وأم تنتظر عودة وحيدتها من العمل كل مساء لتقضي معها بعض الوقت ، ولتتابع دروس أبنائها ، وتهيئة طعام اليوم التالي ، جل وقتها تقضيه بالعمل من الصباح حتى حلول الظلام لتحقيق ما تتطلع اليه من أحلام .رشا فتاة طموحة وعصامية ، وقبل ذلك انسانة كريمة لا تبخل على صديقاتها بشيء ان كن بحاجة لها من دون تردد . تمكنت بجهود مضنية من اكمال دراستها الجامعية لتزرع البهجة في قلب امها ، وتعوضها عن وحشة والدها الذي توفي من سنين ، وبالرغم من انها وزوجها لم يحصلا على تعيين ، الا انهما ظلا يعملان كمحاضرين مجانيين صباحا والعمل في القطاع الخاص مساء .

كان هاجسها الأول الالتزام بالوقت ، بالرغم من تعاون ادارتي المدرسة والمركز الطبي اللذين تعمل بهما ، ولكي تدير وقتها والسيطرة عليه بما يجنبها الاحراج ، انتزعت من مصروفها الشهري ما يمكن انتزاعه وبمساعدة صديقاتها تمكنت من شراء سيارة ليكون حلمها الثاني بعد البيت ، وبمدة وجيزة تعلمت مهارات القيادة ، وصار بمقدورها الذهاب الى عملها والعودة منه باسترخاء ، وتخليص بعض زميلاتها من معاناة ركوب سيارات الأجرة لفتيات يصعب عليهن العودة لمنازلهن ليلا .

يقول شاهد عيان : ان سائقا ( شعّارا ) يسوق سيارته ( الفتون ) بسرعة فائقة تتجاوز (130) كيلو مترا في شارع لا يسمح بسرعة أكثر من ( 60) كيلو مترا دون وعي لمسؤولية النفرات الذين بمعيته ، وأضاف شاهد العيان ان الاستخدام المتواصل وغير المبرر من سائق الفتون لمنبه سيارته أربك رشا ، وأدى الى اصطدام سيارته بسيارتها بشكل مذهل ، ومن شدة الصدمة خرج جسدها من الزجاجة الأمامية لتفارق الحياة في الحال ، وهكذا توقفت احلام رشا التي لم تشبع من احتضان أطفالها .

رشا ليست الوحيدة التي تفقد حياتها على يد ( شعّار ) ، بل نخسر يوميا العشرات نتيجة أشخاص لا حظ لهم من الثقافة والتعليم ، ولا يعرفون قيمة للانسان ، ولا يدركون ان أفعالهم العبثية تهّدم بيوت وتيّتم أطفال وتثكل أمهات .

لا ألوم سائقي السيارات والدرجات النارية والستوتات والتكاتك الذين يشعر بعضهم بالمتعة والبطولة باستخدام المنبهات ومراوغة المركبات ، ومثلهم لا يمكن أن يحضر احترام القانون والنظام في بالهم ، وعلينا أن نسأل لماذا ؟ ، أليس مضحكا أن يحاسبني رجل المرور على عدم ارتداء حزام الأمان ، بينما المركبات تسير ببطء شديد جراء الازدحام داخل المدينة ، في حين يمر من أمامه العشرات من الأطفال دون سن الرشد بدراجاتهم بلا رخصة قيادة ولا أرقام ! بل ألوم الجهات المختصة بتطبيق النظام والتي تتحمل مسؤولية حماية أرواح الناس .

يقول صديقي رجل المرور : لا تثير مواجعي يا أخي لان ( 70 بالمئة) مما يحدث سببه المواطنون المتخلفون الذين لا يلتزمون بارشاداتنا ، ولا يحترموننا أصلا ، مرة أوقفنا سيارة لا تحمل أرقاما بناء على أوامر من جهاتنا العليا فاذا بسائقها يوجه مسدسه نحونا ، واتصل تليفونيا ، فجاءت مجموعة شباب تستقل ثلاثة مركبات بلا أرقام أيضا ، ليطرحوا رجل المرور أرضا ويشبعوه ضربا .

وبحسرة سحب نفسا عميقا ليقول : نحن مسؤولون عن تنظيم السير ومحاسبة المخالفين ، لكن تخطيط الشوارع ونصب الاشارات الضوئية والعلامات المرورية من مسؤولية هندسة المرور في البلدية ، وهذا ما يجهله كثير من المواطنين ، رددت عليه : لم نعد نتطلع الى اشارات ضوئية وكاميرات لمراقبة السرعة ، بل عمل ( طسات ) عند الاستدارات لتخفيف سرعة المتهورين ، وكان مدير مرور المحافظة وعدني بإنشاء ( طسة ) في أخطر استدارة بالمدينة ، لكنه لم يف بوعده رغم مرور أربعة أشهر ، وفقدان حياة شخصين أحدهما استاذ جامعي .

أشعلت صديقات رشا الشموع على الرصيف المقابل للمكان الذي فقدت فيه حياتها ، بينما أنظارهن مصوبة نحو رجال المرور.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *