ان هنالك صور ومشاهد كثيره تظهر مدى التراجع والانهيار الذي اصاب هذا البلد خلال الاربعين سنة الماضية وخاصة لمرحلة ما بعد السقوط ، ومنها الضرر الكبير الذي لحق بالطبقة المثقفة والاوساط الاجتماعية المتحضرة والتي كانت ايضا تشكل العمود الفقري الاساسي للدولة الحديثة والمجتمع الفاعل والبارز ، وخاصه في مجتمعات العاصمة ، وحتى المدن الرئيسية ، ومن هذه المشاهد ، هذا الذي ساعرضه عليكم ،،، في بدايه والى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كنا نسكن في منطقة كراده مريم ، و هي من المناطق التي تتمتع بالهدوء وبمستوى عالي من السلم الاهلي للطبيعه السكانيه التي فيها ، حيث ان الكثير من العوائل الساكنة هناك هم من العوائل البغداديه الاصيلة او النجفية او الكربلائية المتحضرة وكذلك نسبة كبيرة من المسيحيين (مسيحي الدرجة الاولى في ايام الخمسينيات) ،،، المهم كانت منطقه الصالحية قريبه جدا من منطقتنا السكنية ، وهي التي كانت تقع فيها دار الاذاعة العراقية وكثير من المحلات التجارية والترفيهيه والسياحية ودور السينما ، اضافة الى عيادات للاطباء وصيدليات وكانت على العموم فيها حركه نشطة ، لقد كان الرابط بينها وبين منطقة حافظ القاضي وشارع الرشيد وهي من المناطق التجارية والترفيهية الرئيسية في جانب الرصافة ، هو جسر الاحرار (جسر الجنرال مود سابقا) ،،، انني عندما اتذكر تلك الايام وطبيعة الحياة الاجتماعية فيها وطبيعة الاجواء التي كنا نعيشها ، اقول مع نفسي انني كنت في حلم ، او انني لم اكن في العراق !!! عندما كنت في تلك السن الصغيرة وارى كبار السن في طريقة معيشتهم واهتماماتهم الشخصية والاوقات التي يقضوها والاماكن الترفيهية التي يرتادوها ، فكنت اعتقد باني عندما اصبح في سن متقدمة ستصبح بغداد تضاهي عواصم غربية واماكنها السياحية ستكون شبيهه لجزر الكناري او هاواي ،،، ان المهم والذي اريد ان اقوله ، ان هذا كان قبل اكثر من 65 سنه ،، وهذا الرقم هو في الحقيقة ليس يمثل فقط عمر انسان ، وانما اجيال ،، واذا ينتهي بنا الامر بعد كل هذة السنيين ان تصبح بغداد عبارة عن قرية مليئة بالازبال والاوساخ والقاذورات والانقاض ،، مجتمع تتلاعب وتتحكم به مجاميع من الاعراب والسراق والقتلة وتنتشر فيها المافيات والعصابات ،، وقيم البداوه والتعرب وشريعة الغاب ونعيش في اجواء الارهاب المجتمعي والا دولة ولا نظام ولا قانون ونظام سياسي فاسد ومتهالك وفي قلب عاصمة الحضارة بغداد ، وساسة ومسؤولون اشكالهم توحي بانهم موظفي استعلامات ،،، ان الذي ذكرته يبين حجم الانهيار الحضاري الذي اصاب هذا البلد ، والمعاناة القاتلة التي تعرضنا لها وخاصه نحن جيل الخمسينات والستينات الذي عشنا عصور ذهبية في تلك الفترة ،،، ان من نتائج هذا المتغير الكارثي هو هجرة مئات الالوف من العوائل العراقية المتحضرة والكفاءات والعلماء والاساتذة واهل الاختصاص الى بلاد الغربة والى ان يشاء الله ، ولم نتوقع اننا في يوم من الايام ان ينتهي بنا الحال الى ما نحن عليه الان .