لا يسر أحد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية ، ولسنا مرتاحين لمؤثرات الانسحاب على مجلس النواب ، وعلى الحكومة المقبلة إذا تشكلت ، ففي مجلس النواب كان لنواب الكتلة الصدرية ، فعالية ونشاط في الكثير من القضايا المطروحة ، لم يشهد مثلها مجلس النواب في فترات سابقة ، المهم خروج التيار الصدري يفقد الحكومة المقبلة وكذلك مجلس النواب حركة التنافس الإيجابي والسلبي في الأداء وفي المناقشات والرقابة، ولكن القرار اتخذ بالاتجاه العام ، ويبقى التيار الصدري حاضراً في الكثير من مفاصل القضايا . كانت النتيجة هذه ، بعد سبعة اشهر من المماطلات والمماحكات والمناقشات ، وأصبحت الكرة في ملعب التنسيقي ، فهل يستطيع أن يشكل الحكومة ، وأي حكومة يريد تشكيلها ، حكومة المحاصصة ، أم حكومة التوافقات المعتمدة على المذهبيات والعرقيات ، أم إنه ينطلق بفكرة عمل جديدة لا توافقية ولا مذهبية ، وإنما حكومة وطنية جامعة للكفاءات من كافة الوان الطيف العراقي ، مستقلة الأداء قوية الحكم، ولكن يبقى السؤال ، هل تركيبة القوى السياسية تسمح بذلك ، لا نعتقد ، وبالضرورة على وفق مركبات القوى السياسية القائمة ، فأن هناك مطالب للكرد وكذلك الجبهة المتحدثة باسم السنة لا يستطيع التنسيقي تلبيتها وإذا ما اعطى وعوداً بتحقيقها فأن الشارع الشعبي الذي سيقوده التيار الصدري سيعطل أية وعود إذا لم يسقط السلطة نفسها . الوضع السياسي معقد ، والقوى السياسية التي حكمت ولازالت لم تفكر في البحث عن مخارج لهذه الازمات ، ولا بطريقة تركيبة النظام التي فشلت فشلاً قاسياً طيلة السنوات الماضية ، وكل ما تحقق هو العزلة بين النظام والشعب ، لذلك نعتقد إن هذه الأطراف مجتمعة ليس في وارد تفكيرها إجراء عملية استقصائية لطبيعة الحكم والعمل على إمكانية إجراء تغييرات ممكنة ، ولكن كما يبدو إن الأطراف جميعها تدرك بأن أي تغيير في مكونات السلطة التي حددها المندوب الأمريكي بليمر ، فأنه سينعكس سلباً على حضورها ، وعلى طريقة وصولها للسلطة ، لذلك كان التشبث بالمحاصصة أحد أهم الوسائل الممكنة لإدامة الحكم .
في واقع الحال ، الوضع العراقي معقد ، فهو يعيش أزمتين متداخلتين ، يضاف اليها التدخلات الخارجية، فهذا الوضع إذا لم يتم معالجته ، فأنه يقينا سيستمر في كل فاصلة من الحكم ، وكل مرحلة انتخابية ، فطبيعة النظام القائم على المحاصصة ، هو نظام مفتوح على كل الاحتمالات ، وابرزها صعود طبقات متخلفة فوق الفئات الاجتماعية الواعية ، وصعود هذه الطبقات مالياً جاء جراء عمليات الابتزاز والسرقات وشراهة النهب للمال العام ، وهذه الطبقات هي التي جاءت بمجموعات كبيرة من العناصر في إدارات الدولة والمؤسسات الخدمية التي لا تحسن العمل ، وليس مخلصة لشروط الانتماء للعمل . كما إنها مهووسة بالحصول على المال بأي طريقة ، لذلك لا غرابة عندما يتم استبدال اكثر من رئيس دائرة في امانة بغداد وباقي الدوائر الخدمية في المحافظات ، وليس مثير للدهشة عندما تستقدم النزاهة اكثر من مدير عام ومحافظ ووزير ورئيس دائرة ، كما ليس مستغرباً البتة ، إن يكون هذا وغيره هو نتاج لمثل هكذا نظام مبني على المصالح والمحاصصة ، وهنا يبقى السؤال ، هل بإمكان الأطراف المتصدرة لقيادة السلطة أن تفكر بإجراء تغييرات تتفق نسبيا مع الرغبة الشعبية ، أو هل إن السلطة القادمة ستكون ستصمد أمام مطالب الشعب التي ضحى من اجلها الاف الشباب ، كل هذه الأسئلة هي رغبات وتمنيات ، ولكن الحقيقة إن مثل هذا النظام لا يجني إلا مثل تلك النتائج . أما على المستوى السياسي ، فان مجمل الأطراف تشتغل باتجاه مصالحها ، وليس مستعدة التنازل لمصلحة الوطن والاستقرار والسلام ومشروع البناء ، وإذا كان مثل هذا الامر مطروح لما كان التنافس والتناقض على منصب رئاسة الجمهورية ، وكذلك الامر بالنسبة للرئاسات الأخرى ، فبغض النظر عن الاشتراطات المطروحة على جبهة تحقيق الحكومة ، فأن الاختلالات والاختلافات على المواقع والمناصب والنفط والمدن ستكون مثار جدل ، اللهم إلا إذا قدم التنسيقي تنازلات مؤلمة لهذه الأطراف ، ومثل هذه التنازلات حتماً ستسقط الحكومة ، وليس من المؤمل أن تولد الحكومة الأخرى بيسر ..