الدولة: غايتها، اهدافها، وظائفها
كتبَ | محمد عبد الجبار الشبوط
الدولة هي ذلك الكيان الكلي المركب من الناس والارض والحكومة.
وللدولة بهذا التعريف غاية، واهداف، ووظائف.
وعلى اساس هذه الرؤية الاولية يتم بناء فكرة الدولة الحضارية الحديثة. فالدولة الحضارية الحديثة هي ذلك الكيان الذي تمت اقامته على اساس منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والزمن والارض والعلم والعمل. وتتكفل منظومة القيم العليا الحضارية بتحقيق اعلى درجة متصورة وممكنة لانتاجية المجتمع، مع اعدل صورة ممكنة للتوزيع.
فغاية الدولة الحضارية الحديثة هي اسعاد الناس. والاسعاد يعني اشباع الحاجات الاساسية للانسان، او مساعدته على اشباعه، بما يحقق عنده حالة الرضا عن حياته وعيشه. ويتحقق ذلك عن طريق وفرة الانتاج وعدالة التوزيع.
واهداف الدولة هي تلك الغايات التوصلية التي لا يمكن تحقيق السعادة بدونها، وفي مقدمتها العدالة والمساواة والحرية والامن والرفاهية وغيرها.
ووظائف الدولة هي تلك الاعمال والنشاطات التي تقوم بها الدولة على امتداد تلك الاهداف التوصلية في طريق تحقيق السعادة. وتشمل هذه الاعمال تطبيق القانون، ومعاقبة الخارجين على القانون، وتحسين الخدمات، وضبط الاسعار، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وقائمة طويلة من الافعال والاعمال والنشاطات الاخرى.
وتشكل الغاية والاهداف التوصلية والاعمال التنفيذية كلا متكاملا لا يمكن المساومة عليها او التنازل عن بعضها لصالح البعض الاخر. فلا يمكن، على سبيل المثال، التنازل عن الحرية مقابل الكهرباء، ولا يمكن القبول بالاستبداد مقابل الامن. وعادة ما تجري الحكومات غير الصالحة هذه المقايضات لخداع شعبها، ويمكن ان تنجح عملية الخداع في مجتمع ذي وعي حضاري متدنٍ، يقبل افراده بفتات مقابل مكاسب محدودة. ولهذا يكون من واجب المثقفين اصحاب الوعي الحضاري ضخ الثقافة الحضارية السليمة في المجتمع لتعزيز مناعته ضد التحايل والمقايضات غير الصحيحة. كما ان من مسؤولية النظام التربوي في المجتمع تنشئة المواطنين منذ طفولتهم على هذا المستوى من الوعي. وهذا كله هو الذي يؤلف المحتوى الداخلي للمجتمع. والمحتوى الداخلي السليم هو شرط اقامة الحياة الطيبة، اي السعيدة.
وحين ننسب الاعمال الى الدولة فاننا نقصد بذلك الحكومة بفروعها الثلاثة: التنفيذي والتشريعي والقضائي.
فالحكومة هي الجهاز المسؤول عن تحقيق السعادة للمواطنين. والمواطنون انما ينتخبون الحكومة من اجل ان تحقق لهم السعادة. فاذا فشلت الحكومة في ذلك ضمن مدى زمني محدد اصبح من حق المواطنين اسقاط الحكومة، بالطرق الدستورية والقانونية المتفق عليها: اما بسحب الثقة منها في البرلمان او عدم تجديد انتخابها في الانتخابات الدورية، او بمطالبتها بالاستقالة عن طريق التظاهرات والاعلام.
وحتى لا تصبح المسألة اعتباطية او عشوائية يمكن لمؤسسات المجتمع المدني، وهي هيئات طوعية وغير ربحية، ان تقيس درجة الرضا العام عن الحكومة عن طريق استطلاعات الرأي العام التي يمكن اجراؤها دوريا (كل ستة اشهر مثلا). وتأخذ الجهات المعنية نتائج استطلاعات الرأي بنظر الاعتبار في تحديد موقفها من الحكومة. ويمارس الاعلام الحر والموضوعي دورا اساسيا في عكس وجهات نظر المواطنين واتجاهات الرأي عندهم ازاء الحكومة بفروعها المختلفة. و تتضايق الحكومات الفاشلة من الاعلام الحر، لانه لا يجاملها ولا يجمّل صورتها زورا وكذبا ويعكس الحقيقة كما هي.
وبذلك تصبح السعادة، وما يرتبط بها من اهداف توصلية و وظائف، هي المعيار او المقياس الذي نحدد من خلاله صلاحية الحكومات، وبالتالي الموقف منها. ويختلف هذا المعيار عن المعايير الايديولوجية التي تتخذها بعض الاحزاب قوالب جامدة في الحكم بغض النظر عن مدى تحقيقها للسعادة.