اختلف قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي الذي صوّت عليه مجلس النواب مؤخرا، وعُدّ نافذا من تاريخ التصويت عليه، اختلف عن سواه من القوانين، من حيث سعة مساحة الجدل والخلاف والاختلاف بشأنه، لاسيما، في المرحلة التي سبقت التصويت عليه، ولكن في نهاية المطاف مرّ القانون، وبدأت الجهات الحكومية المعنية(التخطيط والمالية) العمل على اعداد التعليمات الخاصة بتنفيذ مواد القانون بشقيه، الاستثماري والتشغيلي.
وقراءة سريعة في مواد وفقرات قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي والتنمية، نلاحظ بوضوح التوسع الكبير للكثير من المفاصل، التي ربما يراها البعض، انها لاتمت بصلة، لا الى الامن الغذائي، ولا الى التنمية، ولكن في واقع الحال ان الامر ليس كذلك، فالامن الغذائي لاينحصر في توفير الخبز فقط، ولا التنمية تقتصر على تنفيذ المشاريع تحديدا، ولهذا ذهب مشرعو القانون بعيدا، ليضمنوا ديمومة الحياة بجميع مفاصلها، في ظل عدم وجود الموازنة، وقد رافق غياب الموازنة هذا، ارتفاع ملحوظ في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والانشائية، وبالتالي فأن نسبة الصرف البالغة ١/١٢ من حجم الانفاق للعام السابق، وفقا لقانون الادارة المالية لسنة ٢٠١٩، لم تعد تغطي متطلبات الانفاق المالي المطلوب، وكان يمكن للمشهد ان يصبح اكثر تعقيدا، لو ان اسعار النفط لم تشهد ذلك الارتفاع في اسعارها، الامر الذي وفرّ فائضا ماليا كبيرا، وهنا كانت المعادلة صعبة، معادلة بثلاثة اضلاع تبدو متقاطعة، ضلع يرتبط بغياب الموازنة، واخر يتصل بارتفاع اسعار الغذاء والدواء وكل شيء على مستوى العالم، وضلع ثالث، يتمثل بوجود فائض مالي كبير، فجاء القانون ليحتوي هذه الاضلاع، ويخرج بمعادلة يمكن من خلالها خلق حالة من الامان في الشارع، وتبديد المخاوف لدى الناس.
ومن دون ادنى شك ان هناك الكثير من الملاحظات التي ترقى الى مستوى الانتقاد للقانون، لعل من بينها تلك الاشكالية الكبيرة التي سقط فيها القانون، عندما ساوى بين المحافظات بمنح كل واحدة منها (١٠٠٠) درجة وظيفية بصيغة التعاقد وبراتب شهري مقداره ٣٠٠ الف دينار لمدة ٣ سنوات، اذ لم ينظر القانون الى الحجوم السكانية للمحافظات، فليس من العدالة بمكان ان تتساوى محافظة تعداد سكانها (٤) ملايين نسمة مثلا، مع اخرى يبلغ سكانها نصف هذا العدد، ولذلك اتوقع ان تخلق هذه الجزئية مشكلة سيواجهها المحافظون ، ففضلا عن عدم عدالتها، فانها ستحرك الكثير من الشباب للمطالبة بالتعيين، ولكن في المقابل، فقد منح القانون برنامج تنمية الاقاليم تخصيصات جيدة وصلت الى (٨) ترليونات دينار، يمكن ان تسهم في دفع وتيرة انجاز المشاريع المتوقفة والمتلكئة في المحافظات.
وكما قلنا، ان القانون توسع كثيرا، حتى عدّه البعض موازنة مصغرة للبلد، سواء من حيث التخصيصات المالية التي تضمنها (٢٥) ترليون دينار ، فضلا عن المصادر الاخرى، وكذلك من حيث المفاصل التي شملها بدءً من تحسين مفردات البطاقة التموينية ، وتسديد ديون الكهرباء، والعقود الوظيفية، وشبكة الحماية الاجتماعية، ودعم وزارات الزراعة، والنفط، والاعمار، والموارد المائية، والتربية، كما ان القانون خصّ عددا من المحافظات بتخصيصات مالية اضافية، آخذا بنظر الاعتبار نسب الفقر في تلك المحافظات ومنها الديوانية والمثنى وبابل وميسان، وواسط، وصلاح الدين، وسوى ذلك من الفقرات التي غطاها القانون، ولذلك فان قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي، والتنمية، وبالرغم من كل الملاحظات والانتقادات التي اثيرت بشأنه، وبعضها كان منطقيا، فاعتقد انه جاء في الوقت المناسب، لمواجهة ازمة حادة كان يمكن ان يواجهها البلد، في ظل عدم صلاحية الحكومة الحالية، تقديم قانون الموازنة، وفقا لتفسير المحكمة الاتحادية.