ها هو ذا رئيس أميركي آخر يقرر المجيء إلى بلد عربي، كما فعل الرئيس الأميركي السابق، لا ليتباحث بصورة ثنائية كما يفعل الرؤساء الآخرون، وإنما في شكل زفاف سياسي تحضره مجموعة منتقاة من بعض قادة الأقطار العربية. وبالطبع، وكما فعلها من قبل الرئيس ترمب، سيقف بايدن خطيباً في الجمع يوجه النصائح، ويلوم هذه الجهة، ويهدد تلك الجهة الأخرى، ويحدد ما هو مقبول من الإمبراطورية الأميركية في هذه الفترة الزمنية وما هو غير معقول، ثم قد يقدم الجزرة التي تنتظر المطيعين.
هذا مشهد قد لا يقبله البعض، ظناً منهم أن بلاد العرب مستقلة عن أي نفوذ وابتزاز، لكنه يرسم صورة حقيقية عن واقع عربي مرير آن أوان الحديث عنه بدون مجاملات.
أن يقبل رؤساء دول عربية، ومنذ حوالي ثلاث سنوات رؤساء دول عربية وإسلامية، وبالجلوس كتلاميذ أمام رؤساء دولة تخصصت عبر عشرات السنين في دعم وتسليح وحماية هجمة صهيونية لسرقة فلسطين العربية وتشريد الملايين من شعبها العربي المسلم والمسيحي، وفي قيادة مؤامرة كاذبة مصطنعة مدبرة لتدمير العراق واحتلاله والقضاء على جيشه وإفقاره إلى حدود الجوع ورجوع كل ما بناه إلى الوراء بعشرات السنين، وفي قيادة مؤامرة دولية كبرى لتدمير جمهورية سوريا العربية من قبل إرهابيين استقدمتهم وسلحتهم ودربتهم مؤسسة الاستخبارات الأميركية وقامت بالتنسيق فيما بين كل فصائلهم، وبذلك أرجعت هذا القطر العربي عشرات السنين إلى الوراء ودفعت بالملايين من شعبه العربي إلى منافي الدنيا وقيعان البحار. واليوم، وبقيادة أميركية، يدفع لبنان إلى حافة الإفلاس والفوضى السياسية والأمنية، وحتى إلى التقسيم وزواله كمجتمع ودولة.
وما فعلته أميركا منذ عشرات السنين بشعب أندونيسيا، عندما دمرته باسم محاربة الحزب الشيوعي، أشرفت الاستخبارات المركزية الأميركية على قتل مئات الألوف من مسلمي أندونيسيا الأبرياء. وما فعلته مؤخراً في الباكستان من التآمر على رئيس وزرائها وإخراجه من السلطة من خلال الرشاوى والتهديد لا يزال ماثلاً أمامنا. ولا يسمح المجال لذكر الكثير الكثير مما فعلته هذه الدولة الاستعمارية المتصهينة حتى النخاع في بلدان من مثل ليبيا والسودان واليمن والصومال من مؤامرات وانتهاكات وابتزازات. ولم تسلم حتى بعض دول الخليج العربي من شتى أنواع التهديدات والابتزازات والضغوط الاقتصادية والمالية الجائرة بما فيها محاولات ابتزاز منظمة أوبك كلما شعرت بـأنها تخرج عن طاعتها. هل هكذا تاريخ عدائي مزمن، وهكذا تدخلات في شؤوننا الداخلية لا تنتهي، واستعمال بعضنا كمخلب قط من أجل مصالح أميركية أنانية، هل هكذا علاقة لا تنتهي من أزمنة حتى تدخل في أزمة أخرى، هل هكذا تاريخ لا يبرر اعتذارنا عن ترتيب حفلة زفاق جديدة، خصوصاً وأننا نعلم جيداً أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة سيكون دفعنا في أتون وتعقيدات صراع أميركي أوروبي مع روسيا لا ناقة لنا فيه ولا جمل، بل وقد يقودنا إلى دخول خلافات مع دولة كبرى كالصين؟
تسميات كاذبة
ثم ألن ينقلب بايدن إلى كوشنر آخر فيطرح التسميات الكاذبة والشعارات الأسطورية إياها التي تكافئ المجرم سارق الأرض على حساب أربعة عشر مليون من الإخوة العرب الفلسطينيين، باسم أوهام ملّ هذا الكون وهو يسمعها من قبل أميركا ذات الوجهين المتناقضين إلى حدود الهلوسة والثرثرات المضحكة؟
ثم بأي منطق يحق لأميركا أن تختلي ببعض دول وتترك الآخرين، فأين تضامن الجامعة العربية، وأين مؤسسة قمة الرؤساء العرب التي تتغنى بالأخوة والتضامن العربي هو المصير المشترك؟
هل نحن أمام دخول العرب في حياة سياسية تفتقر للخجل والمروءة والشهامة والكبرياء؟