إي أمريكا، وأجَل ياذنَابُها؛ إنَّهُ ليسَ “مَوطِني” وإنّما هوَ “وَطَني”
وأنتَ يا إبنَ وَطَني فَذَا حَرفِي لكَ ماخَطَطتُهُ أنا، بَل هوَ خَطَّني وإختَطَّني.
مَا العِراقُ بمَوطِني، وَعارٌ مَعيبٌ نَعتُهُ “مَوطِني” لأنَّهُ “وَطَني”، وَبِدءُ نَشيدِهِ مُعَطَّراً كانَ؛ “وَطَنٌ مَدَّ على الأفقِ جَناحاً” وبأفياءِ جَناحِهِ غَشَّاني، وبِكبريائِهِ غَطَّني، وخَتْمُ نشيدِهِ مُؤطَّراً كانَ “دُمتَ للعُربِ مَلاذاً يا عِراق، وشُمُوساً تَجعلُ الليلَ صَباحاً” وبإشراقاتِ صَباحِهِ قَمَّطَني.
وجِيءَ بِقَراصِنةٍ مِن بَحرٍ مَسعورٍ ليسْتَلِبوا ضِحكاتِ تَنُّورِهِ وأرغِفةِ بينَ ثَنايا وَطَني، ولِيسْتَلهِبوا خُبْثَ كلِّ ذي ذَنَبٍ مُرَقَّطٍ ليُسقِطَني، فأنصِتْ ليَ يا أبنَ وَطَني، وَدَعْكَ مِن نشيدٍ خَافِتَةٍ فصَاحَتهُ، وبَاهِتَةٍ بَلاغَتهُ، وبَيانُهُ سَفْسَطَني فَأسْخَطَني، نَشيدٌ لإبنِ طوقان – رحمه الله – دَندنتُهُ كَمُوَاءٍ قَطقَطَني:
(مـَـوطِــنــي، جَـلالٌ وجَـمالٌ وسَــناءٌ وبَهاءٌ، فـــي رُبــاه، وحَـياةٌ ونـَجاةٌ وهَـناءٌ ورَجـاءٌ فــي هــَواه)، وَتِلكُمُ دَندَنةُ حَرفٍ واهٍ، ومن سِحرِ البَيانِ أقْنَطَني، وإعْلَمْ يا أبنَ وَطَني، أنَّ في دَسِّ (مَوطِني) تَدلِيساً ل (وَطَني)، وبالإستِياءِ أَبَّطَني، وتَدنيساً شَائِناً وشَنيعاً أسْخَطَني! وهَا سُطُوري بِي قَد جَلجَلَتْ أن لِحُروفِ كَلماتي أنْقطني، ولضَبطِ الكَلامِ هَلُمَّ إضبِطني؟
نَعمْ يا أنا، سَأضبِطُ بإيجازٍ خَطْباً في السَّأمِ أهْبَطَني…
فأمَّا الفِعلُ (وَاطَنَ) يُواطِنُ، مُواطنةً، مُواطِن، ومَفعولُهُ مُواطَن، ومَوطِن إسمٌ وجمعُهُ مواطنُ وَهوَ أيُّ مَكانٍ أُقيمُ بِهِ لأمرٍ مَا ويَلتَقطني، وَرَحِمَ اللهَ الفَرَزدَقَ: لَقَد عَلِمَ الأَحياءُ في كُلِّ مَوطِنٍ * بِأَنَّ تَميماً لَيسَ يُغمَزُ عودُها، ومِن قبلهِ قولُ عنترةَ: ما اسْتَمْتُ أُنثى نفسَها في موْطنٍ * حتى أُوَفّي مَهرها مَوْلاها
وأمّا الفعلُ (وطَنَ) يَطِنُ، طِنْ، وَطْنًا، فهوَ وَاطِن، ومَفعولُهُ موطون بِهِ، وَوَطَنتُ بالمَكانِ؛ أقمَتُ بِهِ، سَكَنتُهُ وألِفتُهُ واتَّخَذتُهُ وَطَنًا. وَ(وَطَنٌ) مصدرٌ وجمعُها أوطانٌ، وَ(وطنٌ) أخصُّ من (المَوطِن) من حيث الدلالةِ التي أنا بصددِها، وأمّا (موطنٌ) فهو أعمُّ من الأولِ إذ يعني (المكانَ أو الموضعَ) بصورةٍ عامةٍ سواء أكانَ ذلكَ المكان وطنا أم كانَ غير ذلك، وخُلاصةُ القولِ أنَّ (الوطنَ) أخصُّ، وعليهِ فهوَ أدلُّ على البلدِ، والمَوطِن أعمُّ ، ولا يُستعمَلُ بمعنى (الوطنِ) ما لم يُقَيَّدُ بقرينةٍ تُخَصِّصُهَ، وإذاً فالوَطَنُ مقَرّي، وإليهِ أنتمي، وسواءٌ أكنتُ بِهِ موُلوداً أَم الدَّهرُ عنهُ أقشَطَني.
اودية النسيان
وإذاً فمَا المَوطِن حَيثما كانَ بِوَطَنٍ يُسعِدُني ويُنَشِّطُني، فأنا عِراقيٌّ، والعراقُ (وَطَني) وما هوَ ب (مَوطَني)، وبَطْبَطَةُ بَطِّ دِجلةَ بأشجَانِها تُفَطفِطُني، وعَطْعَطَةُ شَطِّ فُراتِهِ يُمَغنِطُني، ونَطنَطةُ سَعفِ نُخيلِهِ تَمشيطاً يُمشِّطُني.
وَلَئِنْ دَعَّني الدَّهرُ وأقشَطَني، وفي أوديةِ النِّسيانِ وَرَّطَني، فإتَّخَذتُ مِن (زِمبابُويَ) مَوطِناً عن وَطَني شَطَّطَني، سَتَبقى بغدادُ (وَطَني) و(زِمبابُوي) مَوطِني.
وَلَئِنْ إتَّخَذَ صَديقٌ ليَ زِمبابَوِيٌّ مِن (فِنلندا) مَوطِناً فسَيقولُ؛ إنَّ سُكونَها حَوَّطَني وحَنَّطَني، وأنَّ جَليدَها دَوَّخَني وإختَبَطَني، وتَبقى (زِمبابُوي) وَطَني و(فَنلاندُ) مَوطِني. وإذاً..
أنّي أنا العِراقيُّ وأربيلُ وطرَيبلُ وَطَني، وأحفَادي عِراقيّونَ، ولو(تَزَمْبَبْتُ) ألفَ عَامٍ وعَام في ثَراءٍ أو في فقرٍ أَقْحَطَني. وسَتَشُوفُونَ وتَستَشَفَّونَ أنَّ مَولودي في أوَّلِ عامٍ بعدَ الألفٍ لمُرضِعٍ (مُتَزَمبِبَةٍ) يَهتفُ؛ إئْتِنِي بماعونِ (دولمةٍ) لبَدني يُمَطمُطُني.
وأفٍّ فأفٍّ مِن مُحتَلٍّ بأوغادِ أبي رِغَالَ يَشَيلُني ويَحُطُّني.
قد سَرقَ مِنّا العِراقَ؛ ” أرضاً”،
وسَرقَ مِنّا العِراقَ؛ “عنوانا”.