يسعى المتفيقهون ووِعاظ الساسة والمنتفعون أو مِن المطّبلين إلى التعظيم من شأن الزيارة المكوكية التي قام بها رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى كُلاً من السعودية وطهران ووصفها بالإنجاز التاريخي الذي يُحسب للكاظمي في أن يجعل العراق بيضة القُبّان التي تُحافظ على التهدئة بين الدول في إيحاءٍ واضح إلى مدى الثُقل السياسي والإقليمي الذي يتمتع به العراق في المحافل السياسية الذي هو في المحصلة يُحسب من إنجازات الحكومة الحالية لتصريف الأعمال ورئيسها، وربما يتناسى هؤلاء بل من المؤكد أنهم كذلك أن الخبرة السياسية والحِنكة التي يتمتع بها ساسة البلدين وكذلك الوضع الإقليمي والمصالح المتبادلة للبلدين هي التي تدفع الأمور إلى تلك التهدئة والحوار المتبادل التي تفرضه حيثيات الواقع السياسي المتأزم في المنطقة وتجعله يعيش ليس على صفيح ساخن وإنما داخل قِدر للضغط قابل للإنفجار في أي لحظة تخرج الأمور عن سيطرتها فيما لو فُقد (الكونترول).

ويبالغ هؤلاء بالوصف العراقي المُهدّئ للأمور حتى أن المستشار السياسي للكاظمي مشرق عباس وصف رئيس حكومته بأنه أوقف قيام الحرب العالمية الثالثة في تصريح لايخلو من التضخيم والهُراء بحالة لاتعدو كونها (إيصال رسائل بين بلدين) متناسياً هذا المستشار أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت شرارتها بالفعل بين روسيا وأوكرانيا وتنتظر من يقدحها في المنطقة العربية.

زيارة الكاظمي إلى إيران والسعودية والتي كان له من الأفضل لو طرح خلالها قضية ملف المياه وقطع الأنهر عن العراق وماسبب ذلك من التصحر الذي بات يُهدد مساحات واسعة من الأراضي العراقية بالجفاف والهلاك وهجرة أبناء القرى بحثاً عن مناطق تدّب فيها الحياة ويتوفر فيها الماء ووضعها على طاولة المسؤولين الإيرانيين، أو حتى الطلب من المملكة العربية السعودية بالتوسط والضغط على تركيا لما تتمتع به من ثقل سياسي وإنفتاح خصوصاً بعد الزيارات المتبادلة بين الطرفين لوقف القصف التركي على مناطق شمال العراق الذي تسبب بتدمير وتهجير الكثير من أهالي القرى وهلاك البشر والحجر، وإنقاذ هؤلاء ليس لكونهم مواطنين عراقيين بل حتى لإعتبارات إنسانية، أو إطلاق حصص العراق المائية التي ساهمت تركيا مع إيران في قطعها عن العراق، هذا إن إفترضنا أن الكاظمي لايتمتع بعلاقات صداقة مع صديقه القديم أردوغان كما يدّعي، وفشلت محاولاته للمطالبة بتحقيق ذلك.

التسريبات السياسية التي تُشير إلى محاولة الكاظمي إرضاء الدول المجاورة للعراق في تلاقح الرضا للقبول بولاية ثانية وإعطائه الضوء الأخضر لذلك القبول تجعل من اليقين أن نُدرك أن الرجل لم يُحسن إدارة شؤون بلاده الداخلية ظناً منه أن مهمة ساعي البريد ستمنحه النجاح السياسي الذي يؤهله لإدارة العراق للمرحلة القادمة، لكن الكاظمي لم يُحقق ذلك الإنجاز الذي يستطيع بناء بنيانه على أساس متين وقوي، وما ضربة الحظ التي حدثت في حكومته وماحققتها من وفرة مالية ومردودات هائلة من العملة على الحكومة جرّاء إرتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بسبب الحرب الأوكرانية إذ لولا ذلك لبقى العراق في دوامة الإقتراض الداخلي والخارجي لتوفير رواتب الموظفين خصوصاً بعد أزمة جائحة كورونا وفشل الورقة البيضاء التي أقرتها الحكومة لتحسين واقع الإقتصاد العراقي، إلا أن هذه الورقة لم يكن منها سوى ذلك الحبر الذي كُتبتْ به بنودها مما يستوجب على الحكومة تقديم الشكر والإمتنان إلى الحرب التي ساهمت بإنتعاش أسواق النفط وجعلتها قادرة على توفير رواتب الموظفين وتحسين الإقتصاد العراقي.

هناك مقولة قديمة تقول “طالِبْ الولاية… لا يولّى” عسى أن تنفع هذه الحكمة لمن يريدون التجديد لولاية ثانية…ونقول عسى ذلك.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *