مَن هو عدو العراقيين؟
بعيداً عن الإجابات السياسية والأمنية، التي تتوافر على قدر كبير من التدليس والخلط والشمولية المنحازة لاعتبارات الانقسام الذي يعاني منه البلد في أجواء لم تنقشع غيومها منذ عقدين من الزمان. بعيدا عن كل ذلك اللغط، يكون العراق مواجهاً أعداء البشرية التقليدية الثلاثة من دون تورية او قدرة على التصدي، وهي الجهل والفقر والمرض.
كنا قبل عقود نسمع عن ذلك الثلاثي، ونظنه تاريخا قديما مضى ولن يعود، لكننا الان نعيشه واقعاً يومياً ضاغطاً على مستقبل جيل أو جيلين في الأقل.
الجهل عملية تراكمية من نتائجها تسريب الأسئلة في الامتحانات العامة، مع التنويه في انّ الحالة سبق ان مرت مرور الكرام قبل سنوات عدة، وظهرت نسب نجاح مهولة من حيث التفوق من دون ان تكون مستويات الطلبة حقيقية في التأهل لاختصاصات علمية عالية. ولم يحقق أحد في تلك الظاهرة التي تنم عن انحدار نحو التجهيل المتعمد.
أمّا الفقر فهو ماثل امامنا في البطالة التي تحيل الى مشكلات اكبر في المجتمع لاسيما ان البطالة تتفشى في الطبقة المتعلمة التي سحقتها التفاوتات الاجتماعية التي افرزتها حرب احتلال أمريكا للعراق وما ترتب عليها من انحرافات بنيوية في المجتمع العراقي، ساعدت الحكومات قليلة الخبرة والمنزوية في دهاليز مصالح افرادها على تكريسها عميقاً، لاسيما في سنوات الانفلات الأمني وحتى وصول تنظيم داعش الى حكم ثلث العراق لأكثر من ثلاث سنوات.
المرض، الآفة الثالثة التي تتجلى علاماتها في مظاهر اجتماعية ومعيشية مرهقة، عبر بيع الادوية من دون ترخيص وانخفاض مستويات طالب الطب المتخرج وانتشار القطاع الخاص غير المنضبط وغير المراقب بما هو واجب مستحق لحماية أرواح الملايين.
المرض يبقى بعبعاً مرعباً مع ضعف مستشفيات الحكومة وتردي خدماتها ونقص معداتها وقلة الخبرات الطبية المتخصصة بعد الهجرات المتكررة، وعدم التفات الحكومات الى مسألة العمل على استرجاع الكفاءات النادرة المتسربة، والمعروف في العالم ان الطبيب العراقي الاستشاري والمتخصص من أكفء الإمكانات الطبية أينما ذهب.
الثالوث المرعب لا يزال يلاحق هذا الجيل، من دون رحمة، والقضية لها تفاصيل أكثر رعباً مما يتصور بعضنا، انها عملية مسح هوية جيل وإمكانات شعب بالتدريج، تحت ضغط ظروف مصطنعة غالباً، وتلعب بها العوامل الخارجية اكثر من الداخلية.