بجملة مفيدة وقصيرة، يتكاسل الذي في السلطة، والذي تمكن من الدولة والمناصب العليا فيها عن الأبداع، فلديه المال والنفوذ والتأثير، وبيده تسيير الأمور ،وينشغل بملذاته وتحقيق رغباته، ثانيا عطفه، لايلتفت الى مصاعب الحياة، فقد تحققت له الضرورات، وبعدها الترف، ولم يعد يفكر أن يبدع، والناس بين يديه عبيد وأتباع لديه.
في المقابل هناك فئات حرمت من السلطة، ومنعت من حقوقها المشروعة في صناعة القرار، وبناء الدولة ومؤسساتها، ولم تمنح من الحقوق مايلبي الطموح، ويريح الأعصاب، وتطمئن له القلوب، وهذه الفئات كبيرة لايعود الكسل مجديا معها، وتجتهد في محاولة تأمين المعيشة، وتلبية الحاجات الضرورية التي تجاوزها أهل السلطة، وأتباعهم من الوصوليين والإنتهازيين، ويكون هدفهم، بل وغايتهم الوصول الى مايبتغون غير عابئين بردات الفعل، وينتظرون الوصول الى الغايات بأقصر الطرق، والملتوي منها، وخلافا للقانون والضمير والرحمة.
هاتان العقدتان رافقتا الشعب العراقي طوال مئات من السنين كانت السلطة بيد فئة إجتماعية غالبة وقاهرة، يقابلها فئات مقهورة محرومة حاولت خلافا لمايفعله ومايعيشه أهل السلطة تحقيق الغايات والولوج الى عالم التجارة والإبداع الفني والشعري والحصول على الدرجات الدنيا من الوظائف، وترتب على ذلك شعور بالنقص بسبب التمييز والتعالي السلطوي، ونتج عن ذلك أيضا النكوص عن الرغبة في صناعة القرار والإستسلام لمن هم في السلطة غالبين ومتمكنين، ومثلما تفرغ أهل السلطة للحكم والنفوذ والهيمنة، تفرغ المحكومون للإبداع ومحاولة تحقيق الذات والإمكانات من خلال الولوج الى عوالم الشعر والغناء والتمثيل والكتابة والتجارة وممارسة الأعمال التي لاتهدد كيان السلطة.
حين يحدث مثل هذا الإختلال في بنية المجتمع يتصرف الجميع بطريقة فوضوية، ويخربون الوطن لأنهم يفتقدون للتوازن العاطفي، فحاكم يخشى زوال حكمه، وتهديد الفئات الأخرى، ومحكوم يحتال ليعيش كما يتمنى فتضيع القيم والطرق الطبيعية للحياة والإستقرار، ويدفع الوطن الثمن حين يتزاحم عليه الاضداد مثل الضباع.