من سنين من عجاف العراق الذي تحول الى بقرة تأكل نفسها، كنت أيقنت للأسف إن بعض البلدان، ومنها العراق لايحكم إلا بنظام حازم قوي غير تعددي. فالتعددية تشبه حال مدينة منفلتة تحكمها عصابات. وكل عصابة تسيطر على قطاع من تلك المدينة تفرض الإتاوات، وترهب السكان، وتنصب نقاط تفتيش، وتقتل المناوئين، وتسطو على المنازل، وتنشر قوانينها الخاصة بها بالرغم من وجود قوات شرطة وأمن لكنهم لايتدخلون كثيرا إلا عند الضرورة القصوى، أو عندما تكون هناك حاجة لتأكيد الحضور، أو لمجاملة وسائل الإعلام المحلية التي تبحث عن الإثارة، ومثال ذلك سيطرة عصابات غير معروفة على شوارع العاصمة بغداد، وخاصة الأحياء الراقية والتجارية، والتي تكثر فيها المطاعم والأسواق والكافيهات، وما أن تتورط لتوقف سيارتك على الرصيف لتبتاع قميصا، أو تشرب كوب قهوة، أو شاي، أو تتناول طعاما حتى يعترضك شاب، ويطلب أجرة الوقوف وبحسب المكان وتترواح تلك الأجرة التي عليك أن تدفعها مرغما للعصابة من ألفي دينار الى خمسة آلاف دينار، وهو مثال على إقطاعية الدولة، وعدم وجود دولة، فمهام القوى الأمنية وأجهزتها المختلفة تتوقف عند حدود معينة لأن الدولة ليست ممسوكة تماما من أجهزتها الأمنية، بل تتشارك ذلك مع عناوين عسكرية ومدنية مختلفة، ولها قوانينها الخاصة، ونتيجة ظروف المحنة العراقية، وتعدد العناوين السياسية والحزبية فإن من الصعوبة بمكان التسليم الكامل بفكرة الدولة خاصة حين يتملك فئات إجتماعية القلق من توجهات تلك الدولة وسياساتها، وإنتقال العراق من الحكم الدكتاتوري الى الحكم متعدد الأقطاب، ومنها المحلي، ومنها الخارجي المتمكن والمتحكم بمجريات الأمور، وتفاصيلها الدقيقة حيث تشترك دول إقليمية وعربية وأوربية إضافة الى اميركا في معركة التنازع على العراق، وقد أدى ذلك الى نشوء مكونات تتنازعها الأهواء والمعتقدات والولاءات، ولاتثق بأحد، وترتهن الى غيرها في القرار مع وجود فئات شعبية عاجزة، وأخرى متمردة يمكن شيطنتها في حال الإعتراض، ووفقا لتلك المعادلة، ومع إستمرار الصراع، وعدم حسم الملفات الإقليمية التي رهن مستقبل العراق بتسويتها، فإن من الصعب اليقين بقيام عراق مستقر يعتمد على ذاته، ولديه سيادة، وقرار وطني.
مايزال العراق رهنا لقوى نفوذ داخلي، وصراعات وأجندات ونيات متباينة وطموحات قومية وطائفية، وغياب للخدمات، وبالأمس مررت بشارع، وشاهدت عدد المولدات الكهربائية الحديثة المستوردة بملايين الدولارات، وهي موضوعة على الأرض، ومخزنة بطرق بائسة، وأخرى بوضع أفضل، وقلت لرفقتي هل عرفتم لماذا لاتتوفر الكهرباء الوطنية، ولماذا لاتوجد صناعة، ولازراعة ولامستشفيات جيدة، ولا مدارس، ولابنى تحتية (مال أوادم).
سيبقى العراق عاطلا عن العمل بلاسيادة، ولانفوذ  ولاإحترام من الخارج منتهكا تتسلط عليه الأجندات، ولايثق بعضه ببعض، ولايجتمع الناس فيه على خير، بينما تتصاعد حمى المادية والترف عند فئات، يقابلها ضياع وحرمان وقرف وتبدو زعامته المختلفة لاهية بالمال والشركات والسفر والونسة والعلاقات التجارية وجمع الأموال، وممنوع أن تقوم دولة، وكل حراك معارض إما أن يتم وأده، أو تتخلله النوايا  أو يخترق، أو يشيطن، وندخل بعده في متاهة لاخروج منها.
حرب العشائر صورة مصغرة للضياع والتيه والفوضى وضعف الدولة، وإنتشار ظاهرة المخدرات والفساد الأخلاقي، والتداخل بين الديني واللاديني، والرغبة في التمدن الغريب، وممارسة العادات الشاذة، وظهور صنف من النساء ينشرن الرذائل على الفيس بوك والتكتك والدعوة الى المثلية الجنسية والتحرر كلها عوامل هدم خطرة، كما إن إستخدام الدين كوسيلة للتربح، والسيطرة على عقول السذج جزء من معادلة الخراب.
لابد من نظام حكم قوي وقوي جدا لنستعيد العراق، ولن نستعيده قريبا لأن المعركة ليست لبناء العراق بل للسيطرة عليه.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *