ما من نشاط مجتمعي مثمر وفعال..في أي قطاع وزاوية..إلا وقد ارتكز..على العقول الخبيرة النيرة..التي ازدانت وارتوت..علما ومعرفة..اكتسبتها في مراحل التعلم المختلفة..وبمساعدة الأهل والمجتمع والمدرسة..باعتبارها بيئة العلم ومختبر بناء الشخصية وتاهلها الكامل للبذل والعطاء.
ولو تسنى لنا الوقت للإطلاع على السياسات الحكومية للعديد من البلدان..التي أسرعت في تطورها في مختلف القطاعات..لوجدنا أنها أعطت قطاع التعليم الأولوية القصوى..واستثمرت فيه من الأموال..مايفوق استثماراتها في القطاعات الأخرى..باعتباره الفاعل والمؤثر والداعم لكل النشاطات..وهو الوحيد القادر على صقل كل الطاقات وشحذها..يجعلها في ديمومة من الإبتكاروالاكتشاف والتطور والرقي..وهي لم تصل ذلك المستوى من الانضباط العالي المبدع والخلاق..الا بعد إدراكها حقيقية ودور العملية التعليمية والتربوية..فكان نصيب التعليم الإبتدائي وماقبل الإبتدائي الشيء الكثير من الاهتمام..وكذا الحال مع المراحل التعليمية الأخرى..اذ أصبحت الجامعات مراكز بحوث علمية رصينة..ومختبرات ضخمة لها قدرة إجراء التجارب الكبرى في الاستنساخ والهندسة الوراثية..وعلم النانوا وغيرها.
تتبع واقع التعليم في بلدنا العراق..يكشف لنا انه مطعون في الصميم..وان التعليم الإبتدائي هو الأكثر فشلا..منذ إن أخذ العراق ينحدر نحو الدكتاتورية والشمولية..وخوض الحروب العبثية المدمرة..عندما اعتلى البعث الصدامي كرسي الحكم..في نهاية السبعينيات فصاعدا..عندما لم يعد مرتب الأستاذ يرقى إلى تلبية أبسط مقومات العيش بكرامة..وأن السلطة وازلامها صارت تقتحم حرمة الجامعات والمدارس بأنواعها..وتوجه الإهانات للكوادر التعليمية..باساليبها البوليسية ومراقبتها الشديدة لتحركات الجميع والتجسس على آرائهم..وهناك الكثير منهم اضطر لترك المدرسة والدرس..والعمل في مجالات أخرى..بعيدة كل البعد عن الواقع التربوي والعلمي..واصبحت الشهادة ونيلها مجرد عبث لاطائل من ورائه..ويعني الفقر والكفاف وشظف العيش..وبذلك انطفئت آمال الموهوبين والمتميزين والمبدعين في مواصلة البحث والتنقيب ومراكمة الخبرة والتتبع.
مع شديد الأسف إن الحال استمر سيئا للغاية..حتى بعد زوال الدكتاتورية إلى غير رجعة.. وانبثاق فجر الديمقراطية..وحرية التعبير وتعدد المنابر..ووصول خدمة الإنترنيت للجميع تقريبا.
هذه المرحلة حساسة للغاية..وهي تتطلب اهتماما مركزا وغير مسبوق..في إصلاح التعليم ليواكب التطور..فلم يعد العراق ذلك البلد الذي تديره طغمة حمقاء..والتي كانت سببا في عزله وسلخه عن العالم..وزرع قيم الطائفية والعشائرية..ومفاهيم التخلف والظلام بين ابنائه.
فالعراق اليوم جزء من العالم..يتأثر بكل مايجري حوله..وليس هناك أي قيد على تتبع أي علم وأي حدث كبيرا أو صغيرا..من خلال الصحون اللاقطة أو من خلال الجهاز النقال.
وإذا ماتعمقنا في الذي أنجز نجد انفسنا في ذهول وحيره تامة..وإننا أمام فتوح في مختلف العلوم..فالوصول إلى الفضاء واقامة المحطات فيه وارتياد الكواكب..والهندسة الوراثية ودورها في الزراعة وتحسين الثروة الحيوانية..والأسمدة الكيمائية ذات الجزيئات المخلبية الطويلة..ألتي ترتبط بذرات التربة وتمكث في الأرض طويلا وتديم خصوبتها..بدلا من النماذج القديمة قليلة المكوث وسريعة الاغتسال مع مياة البزل..وفي مجال الخلايا الجزعية والطاقة والميكانيك والعديد العديد..التي لايتسع المجال والوقت لذكرها.
فهل بعد مايقرب العقدين..ونحن منفتحون على كل مايجري ويحدث في العالم..نجحنا في إصلاح قطاع التعليم والتربية..وفكرنا في ذلك مليا..وبداءنا الخطوة الأولى مع التعليم الإبتدائي..وحولنا مدارس طلبتنا إلى قلاع علم حصينة..ومختبرات للتاهل والإعداد..واكتشاف المواهب وصقلها وزودناها بكل مستلزمات النجاح من معدات وتكنلوجيا حديثه..واساليب مبتكره في تذوق الفن والأدب والجمال. ومعسكرا للعلم والنبوغ والتفوق..بعيدا عن تاثير المجتمع..وقيمه الفجة الواهية.
اعتقد إن قادتنا منشغلون في التجنيد الإلزامي..أكثر مما يفكرون بماساة مانحن عليه من تردي التعليم وتراجعه..والذي سيكون مشكلة حقيقية عندما نقيم مشاريع استثماريه لنهضة صناعية وزراعية كبيره..ونكون بحاجة الى إلى مؤهلات علمية وادارية كفؤة..لإدارة تلك المشاريع وتشغيلها..وتطويرها وصيانة معداتها.