يبدو الرئيس جو بايدن في قمة جدة، وهو في أواخر العمر كالملك المريض الذي عاد للتو من رحلة علاج طويلة ومؤقتا فقط ليوزع ميراث الحكم من بعده بعد أن أبلغه الأطباء إنها أيامه الأخيرة في الحكم والحياة، وبينما يتوسط مجموعة من الحكام الشبان الطامحين والحاقدين في مجموعة دول خليجية وعربية شرق أوسطية كانت شبه مستعمرات له ولحلفائه الغربيين الذين يستعدون للتساقط على رقعة الشطرنج التي يتحلق حولها لاعبون محترفون من شاكلة (انتوني كاربوف وغاري كاسباروف) الذين يجيدان تحريك أصنام اللعبة، فإن المجتمعين معه على شاطيء البحر الأحمر تتوزع عندهم النوايا، فمنهم من يطمح في إعتلاء عرش بلاده، ومنهم من يتوق للتخلص من خصومه، ومنهم من يكاد يتقوى به، ومنهم من يبحث عن دور، ومنهم من يرغب بالمزيد من الدعم لتجاوز المحنة الإقتصادية المتربتة عن تداعيات الحرب في شرق القارة العجوز التي ترتجف من البرد قبل أوانه، ومنهم من فقد الثقة بواشنطن ولم يعد يجد فيها ماكان يعرفه عنها في السابق.
بعض القادة على ضفتي البحر الأحمر بعثوا طلبات الإنتماء لمجموعة بريكس الناشئة التي تمثل ثلث أقتصاد العالم، ومايزيد عن ذلك من الإمكانيات البشرية والموارد الغذائية، وهي تضم حاليا روسيا والصين وجنوب افريقيا والبرازيل والهند، والمتوقع أن تنضم إليها السعودية ومصر وإيران وتركيا الجارتان اللتان تستعدان لقمة في طهران الثلاثاء المقبل مع الرئيس فلاديمير بوتين، ولأن دول الخليج بدأت تقرأ الحوادث جيدا فلم تعد القمم، ولاالإتصالات الهاتفية مجرد أوامر كما كانت في السابق، بل هي مفاوضات ومباحثات مصحوبة بإبتسامات غربية من شفاه مفتوحة على أمل إستمالة قادة يختلفون عن آبائهم وأجدادهم، ولم يعودوا كما يتخيلهم بايدن كحكام العرب في الثمانينيات، فالطموح مختلف، والتحديات أكبر، والشعوب تشبه هولاء الحكام لأنها نشأت وترعرعت معهم على عالم مختلف، ومتنوع، وغير قابل لأن يكون جزءا من لعبة اللاتغيير على المزاج الغربي.
لم يكن من تسرع خليجي في الموافقة على الرغبات الأوربية، ولاتلك التي أرادتها واشنطن عند إندلاع الحرب الأوكرانية، بل كانت إتصالات دول عربية بموسكو أكثر وضوحا مثل مصر والسعودية والإمارات في حين تبنت دول كالجزائر إستراتيجية مستقلة تلاعبت فيها بأعصاب الإسبان والطليان والفرنسيين، ووجهت إمدادات الغاز بمايتلائم ومزاجها السياسي التقليدي المعروف عن الجزائر التي يستهويها رفع العلم الفلسطيني.
العراق يحضر قمة جدة بخطاب واحد، لكن قراره موزع على جبهات عدة، وتتنازعه من الداخل نوايا مختلفة لاتلتقي إلا بمعجزة في زمن إنتهت فيه المعجزات، وبينما تؤكد قمة جدة على تأمين إمدادات الطاقة، فليس من المرجح زيادة الإنتاج بالكيفية التي ترغبها واشنطن وحليفاتها، ولايمكن الجزم بالطريقة التي ستتعامل بها دول هي اعضاء في أوبك التي يجب أن تتفق مع وجود روسيا العظمى التي تتحضر للرد بطريقة صادمة قد تقفز بالأسعار الى مستويات قياسية خاصة مع وجود مجازفة غربية لوضع سقف لسعر النفط الروسي في وقت تتهاوى الحكومات الغربية، وتتراجع دول عن العقوبات، وتعلن الخزانة الأمريكية عن رفع العقوبات في بعض الموارد لتخفيف الضغط، بينما تؤكد دول في شرق أوربا إنها لاتوافق على المضي في لعبة العقوبات.
الهدنة في اليمن، والتهدئة مع إسرائيل وأمنها المزعوم، والربط الكهربائي مع العراقي، والحفاظ على مابقي من لبنان، وتمضية الأمور في سوريا، والضغط من أجل إتفاق نووي مع طهران، وإستمالة حلفاء لم يعودوا حلفاء حقيقيين كلها رغبات أمريكية من أجل الإمساك بتلابيب قادة الخليج والعرب، ولكنها محاولات ليست كافية، وسنرى أن كثيرا من المتغيرات ستحدث بعد القمة، وبعد مرور أسابيع عليها، ومع إستمرار الحرب في أوكرانيا، والإصرار الإيراني، والطموحات التركية، وقراءة العرب التي تنبؤهم بعالم متغير لن يكون بمقدور بايدن ان يفخر بكثير من المنجزات على الأرض، لكنه ربما سيبتسم ويسأل مساعديه عن كم البراميل من النفط والأمتار الغازية التي حصل عليها من القمة؟