علي الشريف(1934 – 1987م) فنانٌ رسمت له السينما ثيمةً محددة في أذهان الناس، فهو الرجل الشرير بشكله وصوته وأدائه وتلقائيته التي تعكس قدرته وإبداعه، أما في الواقع فهو ذلك الرجل المثقف الإنساني، الرجل الذي خلق من أزماته نجاحا باهرا علی الرغم من حياته القصيرة، فبعد اعتقاله عام 1958 لأسباب سياسية هو ومجموعة من الأعلام والمثقفين،تم الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات مع الأشغال الشاقة!! ست سنوات كانت كفيلة بأن تخلق نوعا مغايرا من الوعي لدی (علي الشريف) ذلك المخلص حتی في الألم والمعاناة!!
تخيل أنه يؤدي الأعمال الشاقة بمحبة وإخلاص وإتقان، وكثيرا ما يعمل نيابة عن زملائه الضعاف والمرضی!! ولايتوقف إيثاره عند هذا الحد، فتجده يقدم نفسه للجلد والتعذيب أولا، وقد يتحمل آلالام نيابة عن رفاقه، تلك الآلام التي تركت علامات علی جسده، وحفرت أخاديد أسفل قدميه!!
من هذه المعاناة ومن هذه الإنسانية انطلق( علي الشريف) من اليسار الی الإنسانية المحمدية، لتتحول رؤيته إلی خطوات عملية، فبعد خروجه من سجن الواحات القاسي، أكمل دراسته في كلية التجارة، وعمل في مجال تخصصه وتدرج في وظيفته، وانفتح له باب السينما بعد أن كان السجن ورشةً للإعداد والإخراج والتجريب؛ لأن المعتقلين أو السجناء هم من النخبة المثقفة المتخصصة، وهكذا استطاع فناننا أن يقدم قرابة 180 عملا سينمائيا خلال حياته، ذلك علی الرغم من أن يد الرقابة أو الماورائية قد حجّمت دوره، وقولبته وحاصرته؛ولكنه كان يحظی بيد سماوية ترعاه!!
تزوج (علي الشريف) من قريبته( السيدة خضرة محمد إمام) تلك الخضرة الدائمة الخضرة، ليكونا أسرةً مترابطة متحابة، فهو يحمل قلب طفلٍ مولع بأهله، كانت جذوره قوية،لذا أورقت شجرته وأثمرت، فرزقه الله ثلاثة أبناء، وثلاث بنات، وهم( حسن، حسين،علي زين العابدين،فاطمة الزهراء، زينب، أسماء)
وهنا سيندهش القارئ من اختياره لهذه الأسماء، ثم تبدأ دهشته تتلاشی حين يعلم بأنه من أسرة حسينية علوية، انتقلت من الحجاز الی العراق ثم الی مصر!
ولاشك في أن من يهوی القيم الإنسانية ويبحث عن الحق ، لن يجد صورته المثلی إلا في محبة محمد وآل محمد وسلوكهم العملي ورسالتهم العالمية!!
لذا كان( علي الشريف) متعلقا بهم وبأسمائهم وبفكرهم، وهذا واضح من طيبته ومحبته للجميع، وترابطه الأسري،وإيثاره وتواضعه.
لم يكن علي الشريف كغيره، يعمل من دون تخطيط، أو بمعنی أنه تارك الأمور علی مجراها الطبيعي، إذ كان يعمل عمل الذي يدرك أن عمره قصير، ووقته محدد، فلاينام إلا ثلاث أو أربع ساعات من اليوم، والأغرب من ذلك أنه اشتری(ترب) أي مقبرة للدفن، ثم قال: انا اول واحد يدفن فيها!!
وكأنكَ حين تستمع إلی مايرويه أهله عنه، تری مقولة الإمام علي(ع) مطبقة:((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا )) ولكن العجب في أنه قد تم إعلامه بموته!! ففي ليلة من الليالي وبعد عودته من المسرح وهو في إطار التحضير لعرض مسرحي جديد، صلی الفجر وجلس لوحده يقرأ كتابا عن مقتل الإمام الحسين(ع) فتعالی نحيبه حتی اسيتقظ ابنه(حسن) علی صوته، وبعد أن استيقظت زوجته قال لها: أنا سأموت،لاتذهبي الی العمل اليوم، وأيقظي الأولاد كي آراهم!!
صعقت زوجته لكلامه، أي موت وهو عائد من عمله بكامل عافيته؟ ثم فتح باب الشرفة وقال: جايلكم يا أهل البيت، مدد يا حسين
وحين دخل غرفته، أوصی زوجته بما له وما عليه من حقوق وأموال،وهي مازالت مستغربةً كلامه!
وأوصاها بأولاده مرة أخری، وبدأ العرق يتصبب من جبينه وطلب منها أن لا تصرخ حال وفاته!!
ثم ردد الشهادتين، وأتبعها مرة أخری بـ: مدد يا حسين
جايلكم يا أهل البيت !!
ثم فاضت روحه المُحبَّة التي علمت بموعد رحيلها!!
هكذا تفعل المحبة، محبة محمد وآل محمد وطاعتهم والولاء إليهم، تبدد المسافات، وتذوّب الحواجز بين العوالم،وهكذا تفعل الدمعة علی الإمام الحسين(ع)
إذ تنقل المرء الی مكانةٍ رفيعة، ليكون مواسيا لرسول الله(صلی الله عليه وآله)، فـ(علي الشريف) الذي كان يؤثر علی نفسه من أجل رفاقه، لاشك أنه قد شعر بهوان نفسه، ورجا فناءها في سبيل الحسين؛ لذا صعد رجاؤه سريعا الی السماء، حاملا معه الروح العاشقة.