مَنْ لا يسمع الصوت الهادر في كربلاء منذ قرون ، لا أظنه بمنصت لصوت الامة المطالب بالإصلاح ، فالطف ليست حدثا مأساويا فحسب ، بقدر ما هي درس بليغ لترسيخ قيمة الانسان في الوجدان ، فلم ينتفض الحسين (ع) طمعا في سلطة ، او سعيا لجاه ، فهو ابن بيت النبوة ، وليس أعلى منه جاها ، بل ثار من أجل البشرية التي أراد لها التحرر من العبودية والتنعم بالعدل والتخلص من الظلم . ولذا لا حاجة للحسين بدموعنا بقدر استقامة سلوكنا ، وأول من يجب أن يستقم سلوكهم اولئك الذين نصبّوا أنفسهم حكاما على هذه الامة ، فماذا تعلموا من درس الحسين العميق ؟.

لم يتعلموا من درسك سيدي شيئا ، لذا جئناك مقهورين ، ليس اليوم ، بل مذ تشرفت كربلاء بدمك ، لقد شردنا الطغاة بين البوادي ، وباسمك حز المنافقون رقابنا ، ومن على منبرك يشيعون الكراهية بيننا ، ومن الكهوف خرج من تقيئتهم الأرض ليطفئوا انوارك المتوهجة على المدى ، يتناسون افتداء ابيك للذي اصطفاه الله خاتما للأنبياء ، وامك الزهراء بنت من يدعون التمسك بسنته ، ولا يدرون ان نورك في ضمائرنا والعقول ، فنكفئوا الى حيث ظلمة الكهوف بصدور من رفعوا رايتك خفاقة في أحلك نهارات تاريخنا.

يشوه الظلاميون صورتنا لأننا نحبك مع انك الأحب لنبينا ، والأقرب لحضنه المقدس ، فهل رأيت وهما أكثر من هذا ، وجهلا أعمق مما نرى ؟، يسخرون من دموعنا ، مع اننا نبكيك سيدي حلما فرط به الذين أغرتهم حلاوة السلطة ومطامع الدنيا ، يعيبون جراح أقدامنا التي قصدتك من أبعد الآفاق ، ولو استطعنا لأتيناك مشيا على الرؤوس وليس على الأقدام ، فقد اخُتصر التاريخ بك ، لكن من أين للذين تفوح قلوبهم بالكراهية عقولا راجحة ليعوا ان الحسين يوحدنا ؟ .

مازلنا سيدي نحلم نحن الفقراء أن نشيد لمثواك دربا منيرا ، يفوح برائحة العشق المجنون بك ، وشجرا على الطريق يستظل بأفيائه الزائرون ، وبيتا وثيرا لمن يقصدك من بعيد ، عذرا سيدي ، ما باليد حيلة وانت أدرى ، فليس بمقدورنا سوى شد أحزمتنا ورفع رايتك على الاكتاف والمسير اليك ، نتزود بما جاد به عشاقك ، وما أكثرهم على الطرقات ، هم الفقراء الذين حلمت بانتشالهم من عبودية الفقر ، ومازالوا ليومك هذا ، لكنهم أذهلوا الدنيا بكرمهم ، وأغاظوا الأعداء بعشقك ، فعتموا على الملايين التي تلتف حول حرمك الشريف ، مع انهم يتناقلون التافه من الأخبار ، والرذيل من الأشخاص ، والهامشي من الحوادث ، تغطي شاشاتهم لأيام موت شخص يعرفون حقا انه سلب أرضنا ويتم أطفالنا وشرد عوائلنا ، ويتغافلون عمن شغل الكون بقوله ، ودحر السيف بدمه . واهمون ، يستبدلون الأعداء بالأقربين ، لكن سيأتي اليوم الذي يلجأون اليك نادمين ، وسيعرفون ألا طريق للأحرار سوى طريقك .

يا أبا الأحرار : لا نملك سوى أنفسنا لنفتديك ، وأقدامنا لنقصدك ، ومهجنا لتذوب فيك ، وحناجرنا لتصدح بمحبتك ، فقد أذلنا اولئك الذين زورا يدعون مبايعتك ، ورياء يتفقدون القدور ، وكذبا يلطمون على الصدور ، اولئك الذين جثموا على صدرونا ، سرقوا قوت عيالنا ليبنوا على شواطيء البحار قصورا ، يتمتعون بالمدن النظيفة ونسبح في أكداس النفايات ، يتلذذون بالملون من الأنوار ، ونغط في ظلمة حالكة ، وكتمنا أوجاعنا ، وكظمنا غيظنا ، وقلنا مع أنفسنا ، لعلهم للرشد يعودون ، لكنهم أوغلوا في غيهم ، وعاثوا في فسادهم ، ولم تعرق لهم جباه ، فطفح الكيل بنا ، وصرخنا كصرختك المدوية نريد الاصلاح ، فاذا بالبنادق تصوب الى رؤوسنا ، مع انهم يدرون ان أعدائك بنا يتربصون . واليوم جئناك نشكو جورا ما بعده جور ، وحالا ليس مثله في الدهور . ومهما تكالبت علينا الخطوب سيدي لن تثنينا عن دربك ، وان نزعوا الأرواح من الأجساد ، والمقل من العيون ، ندرك ان الطريق للحرية يمر من كربلاء .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *