الفساد هو الانحلال وعدم إحترام الاعراف والشيم والقوانين وينبع من الاستبداد واينما حل فهو بداية لنهاية ذلك المجتمع او تلك السلطة او الدولة ولذلك لم تستقر انظمة الحكم في العراق وتوالت عليها التغييرات بإستبدال حكومات وانقلابات عسكرية واستمر الفساد بشكل وراثي لان الحكومة ان كانت منتخبة او متسلطة فهي تحمل صفة الشعب لانها من صلبه وعليه ان يحسم امره في تغيير ثقافة التعصبية والحروب والاقتتال الى المدنية لبناء حكومات في خدمته ليحقق العدالة والمساوات وهما اساس الامن والاستقرار وليقطع جذور الفساد الدائر على هذه الارض منذ قرون كما ورد في كتاب (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) للدكتور على الوردي ص 152 وما تليها واليكم بعض النصوص .
عن مبلغ تفسخ الموظفين والضباط ، ذكرت عن احد رؤساء الدوائر في بغداد إنه تعهد تشييد بناية عامة فبناها مرتين ، إذ هو في المرة الاولى لم يضع لها اساسا ثم عمد الى احراقها وحصل من جراء ذلك على مبلغ كثير من المال ، وان قوات الجيش كثيرا كانوا يفتخرون بسفرات حربية غير حقيقية يقومون بها ليتقاضوا عنها المبالغ المقررة لها ، وحدث مرة أن سار بعض الضباط الكبار بجيش لا وجود له وبعد فترة قليلة اخبروا الباب العالي بان الجيش قد ابيد عن بكرة ابيه وفعلوا ذلك لتغطية ما كادوا يتعرضون له من فضيحة بيع اسلحة ويتفقون مع بعض من شيوخ القبائل على نهب الجيش في اماكن معينة ثم يقتسمون المنهوبات مع اولئك الشيوخ ويمكن ان تكون القصص مختلفة او مبالغ فيها .
وقيل ان بعض المناصب والوظائف الكبيرة كانت تعرض في استنبول بما يشبه المزايدة حيث تمنح لمن يقدم رشوة اكبر ، والرجل الذي يقدم الرشوة يطمع الى استرجاع مادفع مع الفائض المناسب من جيوب الرعية المسكينة ولا ينكر وجود بعض الانقياء الصالحين بين موظفي الدولة انذاك بنسبة قليلة جدا وفي عام 1901 م سافر احد لاشخاص المعروفين الى سوريا مارا بمدينة الرمادي فاعترض مأمور النفوس طريقه ولم يتركه إلا بعد ارتشائه ومن ثم اعتذر اليه قــــــــائلا لا تؤاخذني فان الدولة ترسل المامور وتقول له ارتش وأخذ اموال الناس وافعل ما تشاء ، فأكتـــــــفي بهذا القدر اليسير من التفسخ لكـــــونه موازيا لما حدث ويحدث في العــــراق الحالي .
نظام ملكي
بسقوط الدولة العثمانية احتلت بريطانيا ولاياتها الثلاث وشكلت منها دولة العراق بنظام ملكي برلماني مستغلة التعصب القومي القبلي والديني والطائفي لمواطنيها لمصلحتها الخاصة بعكس ماعاملت في الخليج لكل امير امارة والمؤسف لم يكن في هذه الدولة أي شخصية من ذوي افكار مفتوحة لسحب البساط من تحت اقدام المحتل لخلق هوية وطنية للدولة لان الجميع شاربين التعصبية القبلية للحصول على مبتغاهم بالقوة وجرى ماجرى من سفك الدماء وهدر المال العام في الاقتتال والنهب .
إذا كان المجتمع الدولي تحول من التفسخ الى التقدم والازدهار بسرعة مذهلة بفضل الثورة الصناعية فالعراق اسرع منهم في التراجع من مؤسسة ملكية بنظام برلماني الى الوراء والى العام 1881م بأثر التعصب ومثالا في عهد النظام البائد تاسست افواج الدفاع الوطني من اشخاص مؤجرين والهاربين والمتخلفين الكرد خاصة اثناء الحرب العراقية الايرانية بمساعدة اشخاص ماديين تحت الطلب بتنسيبهم مستشارين للافواج ، والسماح للمستشارين والمسؤلين الاخرين عن تلك الافواج بتوزيع رواتب المتروكين فيما بينهم في حالة شاذة لم تكن في العراق بل فعله السلطان عبدالحميد لزجهم في الاقتتال الداخلي في العهد العثماني لتشويه سمعتهم ، وبعد الحرب الخليجية الثانية وفرض الحصار على العراق وانسحاب الجيش من الكويت والرواتب كادت لا تساوي كيلو لحم فانتشر الفساد بشكل مريب وانتقلت الحالة تلك مع الارتشاء الى الوحدات العسكرية بكافة مستوياتها والى دوائر الدولة وبعلم القيادة العليا لان الرواتب كانت لاتسد نفقة الذهاب والاياب من والى الدوائر واصبحت الرشوة امرا لا مفر منها واساسا مع الرواتب الى اليوم إلا ماندر وكان التعيين مفتوحا امام الجميع واحيانا التغضي عن بعض الشروط الثانوية .
ويظهر بان الفساد ليس مرتبطا بالعسر واليسربل حالة متوارثة يجب معالجتها ثقافيا ، فبعد سقوط النظام البائد وزيادة الرواتب بشكل لم يكن متوقعا زادت الرشاوي بموازات الرواتب والتعين مقابل مبالغ مالية والوظائف بالمزاد ونهب المال العام طبقا لما جرى على هذه الارض قبل قرون والى ظلام دامس في التفسخ في ظل علم الله اكبر ودستور شرع على مباديء الدين الاسلامي مقابل شعوب تحولت من القرصنة والسرقة والنهب الى دولة القانون بفضل العلم وثقافة العدل والمساوات .
إن رئيس النظام البائد هلك العراق في حروب لتحقيق اطماعه ليخلف امبراطورية في المنطقة على غرار العهود الغابرة والذين اخلفوه على طبق من ذهب دون عناء او تضحية ، اعادوه الى الوراء قرونا من الزمن لحساب بطونهم ونسوا سيادة الدولة والشعب وصدق من قال عند البطون تعمى العيون وقال الدكتور طه حسين وهو ضريريتمتم على فراش الموت ، ما اسخف ان يقود الاعمى المبصرين ، رحمه الله ، ويظــــهر بان العراق خلي من كليهما .