لا تظن رقيا لبلد كل من فيه يعمل على هواه بعيدا عن المتابعة والرقابة وسلطة القانون ، فالعمل على الهوى ، يعني ان الحكومة فقدت سيطرتها على مجريات الأمور ، وبذلك يتسع الخراب ويشيع الظلم ويكثر الفقر ويعم التخلف ، فنلقي عليها اللوم فيما يحدث ، وتهتز قناعاتنا بالنظام السياسي الذي تتبناه وتعمل على وفقه ، ويصبح مشروعا تحميلها مسؤولية ما يجري للمواطنين الذي يتطلعون لحياة رغيدة لطالما حلموا بها . بالتأكيد يتحمل المواطنون ومختلف الفعاليات المجتمعية كالنقابات والجمعيات والقطاع الخاص جزءا من المسؤولية ، فاللامبالاة والنزعة المادية وروح الغلبة هي المهينة على السلوك من دون اعتبار لحجم التحديات التي يتعرض لها المجتمع والدولة .

لا أنكر أبدا ان فسادا شائعا في جميع مفاصل الدولة ، ولكن هذا لا يعني الركون للانتقاد والتهجم من دون أن نفعل شيئا صحيحا من شأنه الاسهام في بنائها ، والأمثلة على ذلك كثيرة وما أصعب عدها ، فلم تطرق مسامعي يوما ان نقابات الأطباء والصيادلة حاسبت أطبائها وأصحاب الصيدليات على جشعهم وتفريغ مهنتهم من مضمونها الانساني ، وتآمرهم على المرضى بمختلف الطرق لاستنزافهم ماديا ونفسيا ، فنرى غالبية الأطباء يعملون على تصريف دواء صيدليات الأصدقاء او تلك التي يشتركون بها بالرغم من ان بعضا من مفردات وصفاتهم لا تستدعيها حالة المريض ، او صرف كميات أكبر من الحاجة ، وكذا الحال مع أصحاب المختبرات والأشعة وغيرها ، او مساءلتهم عن اختلاف اجور الكشفيات فيما بينهم او ضخامة مبالغها ، او اقناع المرضى بإجراء العمليات في المستشفيات الأهلية بدواعي مختلفة غير حقيقية في كثير من الأحيان ، او رفض معالجة المتعففين من المرضى ، طبعا الاستثناءات نادرة للغاية ، هل حاسبت تلك النقابات تجار المستشفيات الأهلية على ثرائهم الفاحش على حساب الناس ، كل ذلك شوه صورة مهنة الطب في أذهان الناس ، حتى وُصف أهل الطب بشتى النعوت ، وما كنا نتمنى أن تطلق عليهم . المرضى مضطرون ، وليس أمامهم سوى الاستسلام لما يقوله الطبيب والصيدلاني ، لكن هذا لا يعني أن نجور عليهم فوق جور المرض .

بالتأكيد ان نظامنا الصحي الرسمي هو من جعلنا لقمة سائغة في فم تجار المستشفيات الأهلية والأطباء الذين يتعاملون معهم ، فلو كان متينا ويدار بكفاءة عالية ، وخال من الفساد لما اضطر الناس لمراجعة العيادات والصيدليات والمستشفيات الأهلية بأسعارها التي تكسر الظهر بالنسبة لغالبية المواطنين الذين يندرجون ضمن الطبقة الوسطى ، اما الفقيرة فلها الله ومراجعة مستشفيات ومراكز حكومية متهالكة وخالية مما تحتاجها ، أليس على صفوة القوم بضمنهم الممتهنين للطب أن يكون التكافل ديدنهم في التعامل مع الناس عندما يكون الوطن بمواجهة المحن . والأمر نفسه ينطبق على المستثمرين في التعليم الأهلي الذين أصبحت كلياتهم أشبه بالكوفيات لقضاء الوقت والحصول على شهادات مجانية لا يقابلها شيىء من العلم والمعرفة ، فلا رسوب فيها ولا حساب على غياب . لقد أصبح المستثمرون قوة مخيفة يتعذر مواجهتها ، واعادتها الى المسار الذي من أجله وافقت الحكومات على استحداث الكليات الأهلية ، بل ربما سيكون بمقدور المستثمرين والحال هذه رسم سياسات التعليم لاحقا وتعيين قياداته ، أليس الوطنية تستدعي ان يشغلهم مستقبل البلاد وأبنائه أكثر من الربح المتحقق ، قد يكون في قولي مثالية لا يقبلها الواقع ، ولكن من الكفر أن يبصق المرء في البئر الذي يشرب منه . شكرا لهم بطعم الألم الذي يعانيه الوطن والناس .

يذكرنا هذا الحيث بموضوع الخصخصة ، الذي طبل له الكثيرون ، وبينوا منافعه وتغافلوا عن سيئاته ، ولكن أقول وهذا ما يؤكده وقعنا ان الخصخصة بلا ضمير ، ولن يكون سلوكها قويما الا من خلال المتابعة الحثيثة والرقابة الصارمة وسلطة القانون كما قلت في بداية المقال .

لست اشتراكيا بطبعي ، لأني ادرك مساوىء القطاع العام وأبرزها البطالة المقنعة ورداءة الانتاج وانعدام الدافعية ، ولست معاد للخصخصة وان كانت في بواطنها وحشية قاتلة ، لكني أؤمن تماما بأن الدولة هي الأم الحنون ، لذا أتمنى ألا تطلق أُمنا العنان للحوش الكاسرة .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *