في كل زمان ومكان يكون للحاكم – أيا ما يكون الحاكم امبراطورا أو ملكا أو أميرا – حاشية يستشيرها لتسدي له المشورة ، غير أن هذه الحاشية غالبا ما تكون سيفا مسلطا على رقاب الناس مستغلة اسم الحاكم ورمزه في كل ما تفعله من أذى وتنكيل سواء بغفلة الحاكم أو برضاه .
وحاشية السوء هذه هي التي توغر صدر الحاكم على رعيته ، تراها تصفق وتهتف له في صوابه وخطئه ، في عدله وظلمه .
ان المخاطر التي يواجهها الناس لا تأتي من الحاكم فحسب انما من حاشية السوء التي تحيطه .. الحاشية التي تتملق الى الحاكم لتمدحه مدحا يعلو قامته ، انه النفاق والرياء لتكسب ود الحاكم بكل وسيلة ، ثم لتربح الغنيمة آخر الأمر .
لو أن الحاشية صدقت وأخلصت لما تجاوز الحاكم في ظلمه واستبداده ، ولعله حينئذ تأتيه صحوة تردعه عن فعل السوء .
قيل أن سلطانا استدعى عالما للمثول بين يديه فأبى العالم الحضور قائلا أن من له حاجة الى العلم فليأت هو اليه .
لقد كان نفر من العلماء يرفضون مجالسة السلاطين خشية أن يكونوا مطية أهوائهم فيفقدوا هيبة العلم وجلاله ووقاره .
على أنه في صدر الاسلام كانت الحاشية تصدق الحاكم ، وان رأت فيه حيادا عن الحق نصحته ، بل ان الحاكم نفسه يعلنها قوية مدوية بأن من يرى فيه اعوجاجا فليقومه بالسيف فيرد عليه من حضر مجلسه نعم نفعل ذلك .
أجل خذا هو الحاكم العادل وهذه هي الحاشية الفاضلة .
الا ان حاشية السوء لا تتوانى عن البطش بالأحرار كاتمة لكل صوت منتهكة أبسط الحقوق .
ألم تكن حاشية فرعون سببا في غروره وطغيانه ؟ ألم يصفهم الله بأنهم كانوا قوما فاسقين ؟
ان الحاشية وحدها هي التي سوغت لفرعون ليقول أنه اله فأخزاه الله وأذله ليكون عبرة لكل ظالم.
وكم من مثل فرعون وحاشيته في صفحات التاريخ !
غير أن الذي يقول كلمة لا للحاكم حينما يخطأ هو دون غيره الناصح الأمين .
وكلما أحاط الحاكم سلطته بنخبة من الصادقين نجا ونجت معه رعيته ، أما اذا كانت معه تلك الحاشية الفاسدة فليس سوى الهلاك لرعيته وله أيضا آخر الأمر ، ذلك أنه لا تستقيم الأمور الا بحاكم يخشى الله ومعه حاشية صادقة .
فويل للحاشية القاسية على أبناء جلدتها ، ويل لها من خزي نهايتها في الدنيا والآخرة ، ذلك أنها حادت عن مهامها وأفسدت ولم تكن لها رؤية بما يأتي به الغد من حساب عسير .