الكاتب محمد واني

 

بفضل سياسته المنفتحة ، تحول إقليم كردستان العراق الى مأوى للنازحين العراقيين واللاجئين السوريين منذ تشكيل مؤسساته الحكومية والتشريعية عام 1992 رغم تواضع امكانياته المادية وقلة موارده الاقتصادية والتهديدات الأمنية المستمرة التي يتعرض لها من قبل المجاميع الإرهابية “داعش”والميليشيات العراقية المنفلتة ، وبحسب الاحصائيات يوجد مايقارب المليونين من هؤلاء النازحين في الإقليم وهم يحظون برعاية واهتمام ممتازين من قبل حكومة الإقليم!
وكما لجأ المعارضون الشيعة السياسيون لنظام الحكم البعثي الى اقليم كردستان الشبه المستقل والمتمتع بهامش كبير من الديمقراطية والأمان ورعاية حقوق الانسان على اثر انسحاب القوات العراقية منه عام 1991 بضغط من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بعد صدور قرار مجلس الامن 688 القاضي بحماية الشعب الكردي من بطش وقمع النظام البعثي البائد الذي كان له تجارب الدموية طويلة معه وخاصة في عام 1988 حيث تعرض الكرد لابشع أنواع جرائم الإبادة الجماعية من القصف الكيمياوي على مدنهم وهدم 5 الاف قرية على طول الحدود العراقية الإيرانية واخضاعهم لعمليات عسكرية واسعة سميت ب”الانفال”سببت بابادة اكثر من 180 الف انسان بريء!
وكما احتضن الإقليم قادة الشيعة وضمن لهم الحرية والحياة الكريمة التي تليق بالإنسان الذي كرمه الله ، احتضن زعماء السنة السياسيون والعشائريون أيضا وحماهم من ملاحقة النظام الحاكم في بغداد الذي يغلب عليه الطابع الشيعي ، وخاصة بعد الحرب الاهلية الطائفية في عامي 2006 و2007 حيث خطف وقتل عشرات الالاف منهم على “الهوية”! حيث تدفقت الاف العوائل النازحة الى كردستان حفاظا على حياتهم من عمليات القتل والتنكيل البشعة ، وقد دفع الإقليم ثمنا باهظا من استقراره واقتصاده نتيجة هذه السياسة الإنسانية الثابتة ، وكلنا قد رأينا كيف ان رئيس الإقليم السابق”مسعودبارزاني” رفض طلب رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي”بتسليم نائب رئيس الجمهورية “طارق الهاشمي”الذي لجأ الى الاقليم في ديسمبرمن عام 2011 هربا من الاعتقال بتهمة الإرهاب “قانون 4 إرهاب وعقوبته الإعدام” وقال بإصرار ” لن نسلمه باي شكل من الاشكال لان الاخلاق الكردية لاتسمح لنا بتسليم الذي يلجأ الينا” ونتيجة هذا الموقف الإنساني المنسجم مع مباديء واهداف الأمم المتحدة ، عوقب الإقليم بحصار شامل وقطع رواتب موظفيه عام 2014 ومازالت هذه العقوبة القاسية سارية لحد الان!
المالكي والكثير من القادة العراقيون الاخرون عاشوا في كردستان شطرا من حياتهم هربا من الملاحقة ولكن بعد ان اعتلوا السلطة تنكروا لحسن صنيعه وجميل معاملاته معهم ، فجزوه جزاء سنمار!
لم يتوقف العداء السافرللاقليم عند الحصار والتجويع ، بل تعداه الى التحريض والهجوم الخطير على منشئاته بالصواريخ والطائرات المسيرة”درون” تمهيدا لنسف كيانه الدستوري وإعادته الى حظيرة الدكتاتورية”السابقة” وحكم البلد بالحديد والنار. وهذا ما ظهر من خلال صدور قرار “سياسي” من المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز الصادر من البرلمان الكردي عام 2007 .
رغم اعاقة جهود السلام من قبل الجماعات المؤثرة في بغداد وخلق الازمات اليومية ودق الاسفين بين بغداد واربيل ، فان الكرد مازالوا متمسكين بمباديء السلام وحل المشاكل عن طريق الحوار. وما زال رئيس الإقليم “نيجيرفان بارزاني” يبذل جهودا استثنائيا لانهاء تلك الازمات المفتعلة وتحاول تطبيع العلاقات بين العاصمتين وفق دستور البلاد ووضع حد للصراع المستنزف والوصول الى حل جذري . زار بغداد عدة مرات واجتمع مع رؤوساء العراق الثلاث ومع قادة الأحزاب الشيعية والسنية واستطاع ان يحرك المياه الراكدة ويحقق التقارب في وجهات النظر وفق تحقيق مصالح مشتركة وسلام دائم بين الطرفين بما يخدم استقرار العراق ويحافظ على وحدته الوطنية ، ولكن رغم هذه الجهود فان من مصلحة البعض ان تتفاقم الأوضاع بين الطرفين ولا تهدأ ابدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *