– السرية.. والمفاجأة.. والمباغتة.. كانت اهم ما استخدمه قائد الثورة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم وزميليه: العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف.. والعقيد الركن عبداللطيف الدراجي.
– فلم يبلغوا سوى عدد لا يتجاوز اصابع اليد في موعد تنفيذ الثورة.
– وهؤلاء الذين بلغوا كان لهم ادوار عند تنفيذ الثورة.. منهم على سبيل المثال:
– العقيد فاضل عباس المهداوي.. فدوره كان السيطرة على فوج القوات العسكرية المتواجد في منطقة المسيب.. حيث يمكن ان يتحرك ضد الثورة.
وكان المبلغ للمهداوي هو المقدم احمد حسن البكر.
– فالبكر.. كان مرسلأً من قبل عبد الكريم قاسم.
– وقد ابلغ البكر.. المهداوي بعدم تسريب الخبر لأي كان.. وهو ما التزم به المهداوي.
– وهكذا سمع اعضاء اللجنة العليا للضباط الاحرار بقيام الثورة من الراديو.
– عندما اعلن العقيد الركن عبد السلام عارف البيان الاول للثورة.
– وهو الاسلوب نفسه الذي استخدم في التعيين للمناصب الرفيعة سواء في مجلس السيادة او في مجلس الوزراء.
– فحتى ناجي طالب نائب رئيس اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار (اي نائب عبد الكريم قاسم).
– فقد سمع بتعيينه وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية من الراديو صبيحة يوم الثورة (14 تموز 1958).
– واكد ناجي طالب ليً (انا كاتب هذه المقالة د . هادي حسن عليوي).. في لقاء لي معه ان عبدالكريم قاسم وعبد السلام عارف انفردا في تشكيل وزارة الثورة الاولى.
– وبرر ناجي طالب هذا الاسلوب.. بالخوف من انكشاف امر الثورة للسلطة.. وبالتالي اجهاضها.
– وخلال تحضيري لرسالتي للماجستير العام 1975 قال ليً: كمال عمر نظمي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي:
– انه التقى عبدالكريم قاسم يوم الخميس 10 تموز 1958 وطلب منه عبدالكريم قاسم ابلاغ الحزب الشيوعي بموعد الثورة..
– كنا طلب منه عبد الكريم أيضاً.. ابلاغ الحزب الشيوعي بدعم الثورة خاصة في الساعات والايام الاولى للثورة.
– وهو ما تحقق لهعبد الكريم قاسم ذلك.. حيث كان الحزب الشيوعي بالإنذار والتواجد في مناطقهم.
– وذكر لي الدكتور ابراهيم كبة عندما التقيته العام 1967 بانه سمع بتعيينه وزيراً للاقتصاد من الراديو صبيحة يوم الثورة.
– وانه التحق بمنصبه في اليوم التالي.
– اما بالنسبة للحزبين المعارضين للنظام الملكي (حزب الوطني الديمقراطي.. وحزب الاستقلال).
– فقد اتصل بهما رشيد مطلك المرسل من قبل عبدالكريم قاسم.
– حيث اجتمع المطلك بكامل الجادرجي ومحمد حديد (قائدي الحزب الوطني الديمقراطي).
– ومع محمد صديق شنشل ومهدي كبة (قيادي حزب الاستقلال في ربيع العام 1958 وذلك في زنزانة كامل الجادرجي في سجن بغداد).
– حيث كان الجادرجي يقضي محكوميته فيه.. وازاء اصرار قيادة الضباط الاحرار بمشاركة هذين الحزبين في الحكم وافق الجادرجي بالمشاركة.
– حيث كان يرغب في ان تكون وزارة الثورة الاولى من العسكريين فقط حتى تستتب الامور.
– وهكذا حصل الزعيم قاسم على مشاركة هذين الحزبين في الحكم.
– وكان عبدالكريم قاسم يتخوف من الامور المالية.. لعدم معرفته في عمليات الصرف المالي للدولة.
– فطمأنه الحزب الوطني على ذلك.. لذلك جاء ترشيح محمد حديد نائب رئيس هذا الحزب الوطني الديمقراطي) لوزارة المالية.
– من جانبه فان محمد حديد ذكر لـ (سام فول) القنصل الشرقي في السفارة البريطانية ببغداد يوم 16 تموز 1958 انه علم بالثورة من المذياع.
– حيث كان في الموصل.. وانه (واجه رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ونائبه عبدالسلام عارف لأول مرة في 15 تموز).. أي في اليوم الثاني للثورة.
– اما بالنسبة لهديب الحاج حمود (القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي).
– فقد كان عبدالكريم قاسم يعرفه منذ العام 1931 عندما كان قاسم معلماً في مدينة الشامية.
– وهديب كان طالباً في الصف السادس الابتدائي.. وكان والد هديب احد ابرز شيوخ العشائر في مدينة الشامية.
– لذا رشحه عبدالكريم قاسم وزيراً للزراعة في حكومة الثورة الاولى.. لخبرته في قضايا الفلاحين والزراعة.
– لكن هديب كزميله محمد حديد لم يعلم باستيزاره وزيرا.. بل سمع ذلك من الراديو صبيحة يوم 14 تموز 1958.
– كذلك محمد صديق شنشل امين عام حزب الاستقلال.. الذي عين وزيراً للإرشاد.
– ففي مقابلة ليً (أنا د . هادي حسن عليوي) معه في العام 1987 ذكر لي (شنشل):
– ان حزبه علم بموعد الثورة خلال اجتماع اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني يوم 12 تموز 1958 من كمال عمر نظمي ممثل الحزب الشيوعي في الجبهة.
– لكن شنشل لم يكن يعلم انه سيكون وزيراً.. بل سمع باستيزاره من الراديو صبيحة يوم الثورة ايضاً.
– أما المهندس فؤاد الركابي (امين عام سر حزب البعث العربي الاشتراكي).. فقد رشحه عبد السلام عارف.. وزيراً للإعمار.
– فالعقيد عبدالسلام عارف كان صديق فؤاد الركابي وجاره.
– ويلتقي معه بنفس التوجهات القومية والاسلامية.
– على الرغم من ان حازم جواد وشمس الدين كاظم (القياديين في هذا الحزب) ذكرا لي (انا د . هادي حسن عليوي) العام 1977.
– ان مرشحيهما لحكومة الثورة كانا (فؤاد الركابي وشمس الدين كاظم).. ولا يعرفان السبب في استيزار فؤاد فقط.
– وقد وعد عبدالسلام عارف هذا الحزب بتلافي ذلك بأقرب فرصة.. وفي اول تعديل وزاري.
– لكن الامور.. كما هو معلوم سارت باتجاه آخر.. كما يقول حازم جواد.
– اما مصطفى علي.. الذي عين وزيراً للعدلية في حكومة الثورة الاولى.. فهو من اصدقاء عبدالكريم قاسم واصدقاء عائلته.
– اذ كان والد عبدالكريم يعمل نجاراً مع والد مصطفى علي.
– وقبل الثورة كان مصطفى قاضياً في محكمة الاستئناف في بغداد.. اضافة الى انه كان اديباً.
– وهو لا يعلم عن ترشيحه في الوزارة.. حيث حدثنا قائلاً: انه واسرته خرجوا ليلة 13 ـ 14 تموز للتنزه في الحديقة التي تقع بين المقبرة الملكية ودار المعلمين الابتدائية في منطقة الاعظمية.
– ثم آوى الى بيته في منطقة السفينة.
– ليفاجأ في الصباح الباكر بإحدى قريباته تطرق الباب طرقاً متواصلاً.
– وتنهي اليه نبأ اندلاع الثورة وتعيينه وزيراً.
– واضاف مصطفى قائلاً لي: (توجهتُ في الحال الى الوزارة!!).
– اما بالنسبة للدكتور عبدالجبار الجومرد.. فهو اديب ومؤرخ.. ومختص بالقانون وذو توجهات قومية.. ومعارض لسياسة العهد الملكي.
– رشحه عبدالسلام محمد عارف.. ويذكر الجومرد في مذكراته: (انه فوجئ بالأمر حين اذيع خبر تعيينه وزيراً للخارجية.
– مؤكداً انه لم يكن يعلم بالثورة.. ولم يفاتحه احد.. ولا يعرف من قام بالثورة.
– وقال: ان في الامر حيرة ما بعدها حيرة.. لقد اصبح الامر في نظري واقعياً وواجباً وطنياً.. يجب ان اقوم به.
– اما الدكتور جابر عمر الراوي.. الذي عين وزيراً للتربية والتعليم.. فقد رشحه عبدالسلام محمد عارف بتأييد من العقيد الركن عبداللطيف الدراجي.
– وقد فوجئ ايضاً حين سمع بتعيينه وزيراً.
– اذ يقول الراوي: دهشتُ لاختياري.. لأني لم اكن اعرف لا عبدالكريم ولا عبد السلام عارف.
– وفي اليوم الثاني (غادرت الموصل مساءً ووصلت صباح اليوم التالي الى بغداد).
– وذهبتُ الى وزارة الدفاع.. حيث كان هناك الاثنان في غرفة واحدة.. ولم استطع ان اعرف ايهما قاسم وايهما عارف.
– كما ان وزارة الثورة ضمت وزيرين كرديين.. هما: بابا علي الشيخ محمود الحفيد.. وقد عين وزيراً للمواصلات والاشغال.
– والوزير الكردي الثاني هو: الدكتور محمد صالح محمود وزيراً للصحة.
– وقد رشحه العقيد الركن عبداللطيف الدراجي.
– وكان محمد صالح طبيبا عسكريا متقاعدا.. وهو ابن خالة الدراجي واخو زوجته.
– يبدو من تركيبة الوزارة انها كانت شبه ائتلافية مثلت معظم الاحزاب المشاركة في جبهة الاتحاد الوطني.
– وعدداً من الشخصيات الوطنية المعروفة المستقلة.. اضافة الى مشاركة ثلاثة من تنظيمات الضباط الاحرار.
– كما اخذ بنظر الاعتبار مشاركة الاكراد في تلك الوزارة.
– مع ذلك فقد لعبت العلاقات الشخصية بين الضباط الاحرار وزعماء الاحزاب السياسية دورها في وضع الاسس التي تم بموجبها تأليف الوزارة.
– اذ ان اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار كانت قد ناقشت في بعض اجتماعاتها الصورة التي يجب ان تكون عليها حكومة الثورة دون التوصل الى اتفاق بشأن المرشحين للوزارة.
– ويبدو ان علاقات عبدالكريم قاسم مع اطراف الحركة الوطنية مكنته من تكوين فكرة عن تشكيلة الوزارة.
– ولما اقترب موعد تنفيذ الثورة.. وضع قائمة بالأسماء يوم 11 تموز استشار فيها كلا من: عبدالسلام محمد عارف وعبداللطيف الدراجي.
– وبهذا الصدد ذكر الدكتور فاضل حسين في كتابه: سقوط الحكم الملكي.
– يذكر عبداللطيف الدراجي ان قائمة اسماء الوزارة الاولى كانت تضم فائق السامرائي (احد قياديي حزب الاستقلال) وزيراً للداخلية.
– وكذلك تضم: كامل الجادرجي (رئيس الحزب الوطني الديمقراطي) وزيرا للاقتصاد.. وقد فوتح الاخير بذلك فعلاً في 11 تموز لكنه اعتذر.
– فاقترح عبداللطيف الدراجي ترشيح ابراهيم كبة بدلا عنه.
– بينما هناك معلومات تشير الى ان ابراهيم كبة كان مرشحاً لوزارة الاقتصاد منذ نيسان 1958.
– من خلال الاتصالات بين العقيد الركن عبدالوهاب الامين: احد اعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار.
– اما بالنسبة لوزارة الداخلية فقد رغب عبدالسلام محمد عارف ان يكون وزيرا للداخلية.. فلم يمانع عبدالكريم قاسم بذلك.
– ورشح عبد الكريم قاسم نفسه قائدا عاما للقوات المسلحة.
– فطلب عبد السلام ان يكون نائبا للقائد العام للقوات المسلحة.. لم يمانع قاسم بذلك.
– كما تم تسمية أعضاء مجلس السيادة.. وهم: الفريق الركن نجيب الربيعي.. رئيساً.. وقد رشحه عبد الكريم قاسم.. لكونه من أصدقائه.. ومن الضباط الأحرار
– كذلك العقيد الركن خالد النقشبندي عضواً.. وقد اختاره عبد السلام عارف.
– وأتفق الثلاثة على ترشيح محمد مهدي كبه رئيس حزب الاستقلال عضواً لمجلس السيادة.
ـ يبدو إن هذا التشكيل لمجلس السيادة قصد منه تفويت الفرصة على أعضاء اللجنة العليا لتنظيم لضباط الأحرار لتشكيل مجلس قيادة الثورة.
– علماً إن رئيس هذه اللجنة كان عبد الكريم قاسم.. وكان رفيقه عبد السلام عارف عضواً فيها.
– كما دعي العقيد الركن عبداللطيف الدراجي لتولي منصب وزير الدفاع.
– لكنه اعتذر مفضلا منصب آمر الكلية العسكرية.. فتولى عبدالكريم قاسم وزارة الدفاع.
– ظلت قائمة وزارة الثورة الاولى لدى عبدالكريم قاسم.. كذلك بيانات الثورة من دون ان يطلع عليها احد.
– وسلمها ليلة الثورة عبد الكريم قاسو الى العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف ليذيعها بعد السيطرة على دار الاذاعة العراقية.. وهو ما تم فعلا.
البرنامج الوزاري
– فوجئ معظم الذين رشحوا بالوزارة بسماع اسمائهم من الراديو صبيحة يوم الثورة.
– حتى انهم لم يحضروا الى وزارة الدفاع مقر رئيس الوزراء وقائد الثورة
– ولما اراد عبدالكريم قاسم ان يعقد اجتماعا لمجلس الوزراء.. اراد ان يبلغ الوزراء بموعد الاجتماع بواسطة الشرطة.
– الا ان محمد صديق شنشل وزير الارشاد حضر الى مقر وزارة الدفاع مع بعض وزراء جبهة الاتحاد الوطني.. واقترح عليه ان يتم تبليغهم عن طريق الاذاعة.. وهو ما تم.
– الملاحظ على هذه الوزارة انها لم تضع منهاجا وزاريا او برامج محددة عن سياستها.
– لكن ممثلي الاحزاب في الوزارة سعوا لوضع برامجهم السياسية ومبادئهم المعلنة.
– وما يترشح عن اجتماعات مجلس الوزراء المستمرة يوميا موضع التطبيق في تحقيق العديد من المنجزات.
– إلا ان الطريق كان معبداً بالمصاعب.. والمؤامرات.. والتدخلات الدولية.. التي ما انفكت حتى قضت على الثورة.