الكاتب محمد صالح البدراني

 

في زمن ما قبل الاتصالات وتقلص المسافات، في ذلك الزمن الذي لم تك تحكمه النظريات الاقتصادية والتبادلات المالية، حيث لا مجال لانتقال المنظور الفكري إلا بإزالة المستبدين، والاستحواذ، وسلطة الأقوى فالحروب مبررة، لكن تطور التقنيات والتكنولوجيا احدث فارقا في القدرات في جميع النواحي التدميرية والتواصل بين أية نقطتين في العالم بل بمجموعة نقاط، اضحى الحوار ممكنا، والتعاون على الأزمات ممكنا دون الحاجة للدخول في حروب النفوذ، بيد أن هذا ليس ما يحصل، فالعقلية العدمية والقيم الأخلاقية لم تتفاعل إيجابيا مع الواقع بل اضمحلت أمام قياس النفعية مهما كان الثمن، لكن لا احد يسال لم نحتاج للحروب ونحن ممكن أن نعمل كآدمية موحدة يحدث التوازن بينها عند الحاجة.
إن التمكين ليس لدولة وليس لرأسمال وليس لفكر معين بحيث يلغي الأهلية الحقيقية للناس بحكم الحاجة أو القانون الذي يستعبد الإنسان بحجة النظام أو التسلط الفردي، بل بإعمال المنظومة العقلية الآدمية لإيجاد السبل نحو إبراز الأدمية والتعرف والتكاتف، واستخدام المخرجات المدنية من تقنيات للحوار الفكري والتفاهم الاقتصادي والسياسي، فما يحصل من قتل ليس مبررا أمام كل هذا التقدم التقني مع جمود عقلية الإنسان وتبعيتها لغرائزه في حب التملك والسيادة وغيرها.
لو تعمقنا في الفكر الإسلامي القرآني وليس ما يستمد من أحداث التاريخ لوجدنا ما قلته أعلاه من تمكين للآدمية وليس التمكين عليها، واتباع منهج هابيل وليس منهج قابيل المؤدي إلى الندم.
معالم تخلف تؤدي الانحدار القيمي
إن الأمم ترتقي بالثبات والثبات ليس الإصرار على الراي الذي يرقيه البعض فيسميه مبدأ؛ بل الثبات هو التماسك والثقة بالنسيج الداخلي للامة، بين الأصدقاء والأقرباء وبين المسؤول والعامي من الشعب، بين المدير والموظف، وبالمختصر يكون الثبات هو تجسيد القيم في السلوك، سواء كان هذا بدافع عقدي أو عادات وتقاليد أو بحماية القانون وأدوات القانون في تحقيق السيطرة على الحياة العامة من خلال قناعة عموم الجمهور به، وهذا موجود في دول غربية كالولايات المتحدة بحكم القانون أو اليابان بحكم التوافق بين فاعلية القانون والمنظومة القيمية الحية، لكنه ليس واضحا عندنا لتشوه وضياع الهوية؛ تفككه واقع حال وان لم يضمحل كصورة، لكنه متفاوت وفق تعرض العوائل أو المدن لتأثيرات الأحداث الشاذة والتي زحزحت المروءة والأمانة والقيم بشكل عام.
كيف ترتقي الأمم:
الأمم ترتقي بعوامل عدة لكننا اليوم سنتحدث عن عامل وظيفي مهم، وهو المصداقية، المصداقية في التعاملات التجارية والقانونية وبين المدير والموظفين وبين أصحاب المهنة الواحدة كبائع الجملة مع بائع المفرد مع التاجر، عندما لا يكون هنالك مداهنة بين هؤلاء الناس بدرجة تتجاوز حدود المجاملة فان هنالك مصداقية لتقييم العمل وثقة بين الناصح والمنصوح، كان تقول إنك أنجزت عملا جيد لكن به هذه النواقص وارى انه يصبح أفضل لو فعلنا كذا وكذا كسبيل لتحسين المنتج.
عندما تكون كل الأمور بتوثيق فلن تسرق الجهود من أحد، فاستغلال الفرص بظلم الآخرين ليس إلا نوعا من الظلم، فعندما يعد موظفا تقريرا لعمل وينسبه مسؤوله لنفسه فهو ارتكب مجموعة من الانتهاكات بحق القيم، سرق وخان وكذب وخدع وغش وغبن وأحبط كاتب التقرير وأساء لسمعة المنصب الذي هو فيه، هذا لن يكون إلا عقبة أمام التقدم والثبات، هذه من عقبات الرقي بالأمة ومن معالم منظومة تنمية التخلف.
لو أنه فعل العكس وقدم التقرير مفتخرا بمن في مسؤوليته، ستنعكس الصفات والدلائل ويكون قائدا قبل أن يكون مديرا لان مزيدا من الإنتاج والإبداع قد مهد له الطريق وحصل هو على تقييم يليق بمكانه وواجبه في اكتشاف وإظهار هذه الطاقات، محاولة التقرب من المسؤول بغير مركب العمل والإنجاز بالمداهنة والتقليل من الاعتداد بالكرامة الإنسانية والمكانة العلمية، أو بسرقة جهود الأخرين على متنوع نشاطهم لن يكون منطقيا في موازنة الطاقات وهذا ما ينبغي أن يقيمه المسؤول بقدرات من الفراسة يفترض انه يملكها من معالم القيادة الإدارية.
صناعة العقبات:
هنالك ناس حائرة بين الروابط الهابطة وبين فكر الأمة، فهي لا تفهم فكر تحمله فتبدو هشة متراجعة أمام الهجمات، وهي ليست إلى الروابط الهابطة إلا عندما تترك ذاتها إلى غرائزها فتكون اشد تطرفا بالهبوط ممن يعتنق تلك الأفكار.
وهنالك من يصنع العقبات ظنا انه يفعل الصواب، أو يحكم بهواه ظنا انه يرضي الله فتراه يجعل من نفسه قاضيا يخطئ هذا ويصوب ذاك وان تمكن فلا يتردد أن ينفذ بمن يخالفه العقاب وربما يكون أداة رعب وإبادة بدل أن يمثل قيمة لصناعة الحياة.
إننا إن أردنا أن نرتقي بالآدمية فعلينا أن نرسي القيم الصائبة الغائبة عن البشرية بفهمها الصحيح ومعالجات لعالم حركة بسيطة فيه تؤثر على الكل، لابد أن ترتقي عقلية الفهم الفكري والقيمي مع ارتقاء المدنية لان ما نراه هو إنسان بدائي يمتلك عنان العلم التقني ويتحرك بغرائزه المستعمرة لمنظومة عقله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *