‏سؤال لطالما توارد الى اذهان الكثيرين: لماذا بقي الحسين بن علي، خالدا، على الرغم من مرور كل هذه الدهور، حتى قال فيه الشاعر الكربلائي محمد علي الحائري:
(كذب الموتُ، فالحسين مخلد
كلما اخلق الزمان تجدد)
فيما نسي الناسُ والتاريخ، الكثير من الشخصيات والاحداث، التي مرت في الحياة!
وهنا ينقسم النقّاد والمحللون ازاء الحسين الى قسمين، قسم يذهب الى القول، ان قضية كربلاء، ليست سوى طقوس شعبية ومشاعر غلبتها العواطف لدى شريحة من الناس، وراحوا يتوارثونها جيلا بعد جيل، حتى تجذرت بينهم، لتصبح وكأنها شعيرة من شعائر الدين! ويبدو ان اصحاب هذه النظرية، يقفون على مسافة بعيدة من جوهر قضية الحسين، لذلك لم تكن قراءتهم منطقية للاحداث، فحصروا ما يحدث بالمشاعر!!!
اما الفريق الثاني فقد ذهب متجها نحو الجانب الاخر، معتبرا ان الحسين في ثورته، انما ارسى الكثير من القيم الدينية والاخلاقية، فضلا عن رسم صور غير مسبوقة، كما لم تشهد مثلها البشرية فيما بعد، صور تجسد البطولة، والوفاء والنصيحة، والثبات على المبدأ، والثورة لكرامة الانسان، والدفاع عن الحرية، والوقوف بوجه الحاكم الظالم مهما كان عليه من البطش والجبروت..
ومنطقيا ان ثائرا وثورة حققت كل هذا التغيير في الواقع، في وقت كانت فيه السلطة الحاكمة بلغت اقصى درجات الجور والظلم وانتهاك كرامة الناس، لاشك ان التاريخ وكاتبيه لن يقفوا على الحياد، ازاءها، وهنا سقطت نظرية “ان التاريخ يكتبه الاقوياء والمنتصرون)، فماديا، ان الحسين خسر المعركة، بعد ان قُتل وجميع اصحابه واهله، ولم ينجُ منهم الا ابنه علي، ولكن، النتائج التي دوّن التاريخ روحها، كانت تشير الى الحقيقة التي ارادت السلطة اخفائها، وواضح ان التاريخ هنا لم يلتفت الى ظاهر ما جرى، بل غاص في اعماق الثائر وما كان يريده من ثورته، فكانت النتائج مذهلة، بقي التاريخ حائرا ازائها، لا يجد لها تفسيرا ولا توصيفا، فالانسان، اي انسان، ومهما اوتي من قوة الموقف، والثبات على المبدأ، سيصل الى مرحلة معينة من مراحل العطاء، ليجد ان كل ما عنده قد نضب، ولن يجد امامه سوى الاستسلام او الانسحاب، ذلك ان منحه اعداؤه مثل هذه الفرصة، الا الحسين، فقد كان اعداؤه حتى اللحظات الاخيرة، يقدمون له المغريات التي يحلم بها غيره، ولكنه ابى ورفض كل ذلك، بكلمتين :(مثلي لايبايع مثله)، مؤمنا ان ما ينتظره من خلود وبقاء سرمدي على قيد الوجود، سيكون اعظم من كل مغريات السلطة، التي لم يكن راغبا فيها بقدر ما كان يريد اصلاح واقع الامة، والانتصار لكرامة الانسان المهدورة، وقد اصدر الحسين (ع) بيانه الاول الخالد الذي اعلن فيه، انه لم يخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، انما طالبا للاصلاح.
—–

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *