التقلبات السياسية والمتغيرات الجيوسياسية التي أحدثتها الأزمة الأوكرانية-الروسية ونتائجها المستقبلية ربما ستفرض على إسرائيل مراجعة تحالفها الإستراتيجي مع أمريكا والبحث عن تحالفات حتى وإن كانت تكتيكية مع حلفاء آخرين خصوصاً بعد تراجع الحزم الأمريكي والردع العسكري في الأزمة الأوكرانية والتخوّف الإسرائيلي من أن يؤثر هذا التراجع والإحباط من ردود الأفعال الأمريكية الهزيلة والمنكمشة أزاء تصرفات الدب الروسي قد تذهب إلى ضعف قوة الحامي والساند لإسرائيل والذي كانت طوال الفترات السابقة تستظل بظله ماقد يؤثر على مكانتها في المحيط الدولي. وما زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا إلا للبحث عن حلفاء جُدد وتحالفات ربما تعمل عليها إسرائيل لإيجاد بدائل عن تحالفها مع أمريكا كما تتحدث عنها بعض المصادر.
إسرائيل التي حاولت أن تحتفظ بعلاقات متوازنة مع طرفيّ النزاع فهي من جهة حاولت أن تُطمئن الجانب الروسي بحياديتها حيث أشارت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن تل أبيب رفضت طلباً أوكرانياً لتزويدها بمنظومة القبّة الحديدية إضافة إلى حظر تل أبيب على الدول التي تشتري السلاح الإسرائيلي من إعادة بيعه أو تصديره إلى كييف، لاسيما دول البلطيق التي كانت مستعدة لتجهيز الدول المتحاربة بصواريخ مضادة للدبابات وطائرات إسرائيلية.
حيادية إسرائيل ربما لها مبرراتها مع طرفيّ النزاع وخصوصاً مع الروس الذين تحتفظ معهم بتفاهمات وإتفاقيات متوازنة خصوصاً بالملف السوري والخشية من أن تفقد هذا الإتفاق أو السلام أو أي خطوة تهدد إستقرارها في تلك البقعة، كذلك فإن إسرائيل لاتخفي التعاون الإقتصادي مع موسكو أو الإشتراك بعلاقات إقتصادية متنامية ومشاريع تصل قيمتها السنوية إلى أكثر من ملياري دولار عندما أشار الرئيس بوتين أن نسبة وأحجام التبادل التجاري بين البلدين زادت بنسبة 50% في عام 2021 في أوج جائحة كورونا. ولاننسى ذلك التغاضي الروسي للطيران الإسرائيلي وهو يقوم بعشرات الغارات على مواقع للجيش السوري وتموضعات إيرانية.
في كل هذه الأسباب وغيرها يتضح ان إسرائيل لاتريد إثارة غضب موسكو، في مقابل ذلك أشارت تقارير صحفية أن حكومة تل أبيب والوكالة اليهودية وضعوا خطة طوارئ لإستيعاب موجات الهجرة التي أحدثتها الأزمة الأوكرانية لدخولهم إلى الأراضي الإسرائيلية حيث يعيش أكثر من مليون يهودي من أصل روسي.
بالنتيجة فإن تل أبيب تريد مسك العصا من الوسط في علاقات متوازنة مع أطراف النزاع وتكوين سياسة الحيادية التي تُبعد مصالحها ونفوذها عن أي ضربات أو تأثيرات تُطيح بها. السياسة الإسرائيلية مازالت لغاية هذه اللحظة تقف على حدود متساوية بين طرفي النزاع، لكن هل سيستمر ذلك الحياد؟…جواب ستحدده متغيرات الظروف السياسية وتقلبات الأوضاع الدولية.