حتى عمق قارة افريقيا التي أكلت بعض بلدانها حروب مزمنة، لم يكن هناك جمجمة بشرية على قارعة الطريق أو في البراري أو في بحيرة أو نهر ليس لها صاحب.
في العراق، تطفو جماجم للبشر على سطح نهر في ديالي شرقي العراق، والمشهد المرعب والمحزن والمحبط يعود الى فترات سابقة، لكننا لا نزال نعيش تردداتها كعراقيين، من خلال كلام بعض السياسيين وافعالهم الذين تثقل جراحات البلد بهم يوما بعد آخر، وربّما بالساعات.
دائماً، كنّا نسمع انّ هناك مفقودين هنا أو هناك، في معركة في اعقاب مواجهة مع داعش او في عملية للمليشيات، أو لجهد حربي أو نزاع عشائري أو لجرائم منظمة.
لكن ما قاله النهر الصغير في ديالي من سيرة جديدة للموت العراقي الذي لا حساب له إلا في قلوب أمهات وزوجات وأبناء الضحايا، لا يجاريه إلا ما يمكن أن تنطق به صحاري العراق وبراريه ووديانه لو فتحت كل صدورها لتحكي ما جرى من مجازر تحت حماية الضمانات المشاعة حصراً في العراق في الإفلات من العقاب، منذ جريمة الانفال حتى جرائم اختطاف الشباب عند مداخل المدن المحررة من داعش، وكذلك ما بينهما في شمال البلاد وجنوبها منذ عقود.
لا نريد أن نقلّب المواجع التي لم تهمد أصلاً، لنبكي وننتحب، فلا ينقص بلاد الرافدين نحيب جديد، لكن علينا أن نتذكّر كلّ صباح حين نفيق، انّ عدم قيام دولة عادلة مستقرة القوانين وقوية بوجودها وامكاناتها الذاتية ولها جيش واحد لا غير، يعني انّ الفصول التي لم تروَ من سيرة الموت لاتزال على الأبواب.
الجمجمة العراقية، تضم عقولاً ابتكرت الكتابة واخترعت العجلة منذ أقدم العصور، ثمّ كانت بعد ذلك، الجمجمة السبّاقة الى التفكير ببناء الدولة العراقية الحديثة، عبر عقود وعقود، واذا لم نقم بإعادة القيمة الاعتبارية للجمجمة العراقية المبدعة والثرية والغيورة فإنّ مشهد أن نراها تطفو فوق الأنهار و تتقاذفها الريح والضواري في البراري، سوف يتكرر دائماً.
هذا بعضٌ من معنى أنّ الجمجمة العراقية مرعبة لدول وأقوام وستبقى مستهدفة منهم كلّ حين، لمَن لم يدرك المعنى حتى الآن