متابعة نيرة النعيمي

مليونين وثيقة عن إجرام النظام هي كفيلة وكثيرة لإبقائها حية. يكفي للعالم صور قيصر التي راها الكونغرس الأمريكي أقوه قوة مشرعة في العالم”.
عاش السوريون خلال الأيام السبعة الماضية مشهدين لخصا “كامل الحكاية” التي يعيشها القسم الأكبر منهم منذ عام 2011، وفي الوقت الذي كانوا يستعرضون تفاصيل مصورة لـ”مجزرة حي التضامن” التي كشفت عنها صحيفة “الغارديان” صُدموا بصور العائلات التي هرعت للتجمع تحت “جسر الرئيس”، باحثةً عن بارقة أمل عن مصير أبنائها المختفين قسريا. “في الحدث الأول كان هناك عائلات تبحث عن وجوه أبنائها المختفين علّها تقطع الشك باليقين بأنهم أحد ضحايا المجزرة. في الثانية هناك عائلات مفجوعة لكنها تتمسك بجرعة أمل بأن تصل لأي معلومة. إن كان ابنها ميتا أم على قيد الحياة في المعتقل”.وفي كلا المشهدين كان النظام السوري حاضرا، وبينما ثبت ضلوع قواته الأمنية والعسكرية بارتكاب المجزرة التي حصلت في 2013 وراح ضحيتها المئات، اتهم بـ”التلاعب بمشاعر” الكثير من العائلات، بموجب “مرسوم العفو” الذي أصدره بشار الأسد، قبل أيام.
وهذه العائلات كانت قد أمضت ليلتها في العراء على مدى ثلاثة أيام قرب “جسر الرئيس” وسط العاصمة، فيما لا يزال قسم منها في المكان حتى الآن، بحسب شبكات محلية، من بينها شبكة “صوت العاصمة”.وجاء ذلك في مسعى منها لسماع خبر أو وصول معتقلين، بعد الإعلان عن المرسوم والذي قضى “بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين” قبل 30 أبريل 2022، “عدا التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب”. ولم يكشف النظام السوري حتى الآن عن أعداد المفرج عنهم بموجب “عفو الأسد”، فيما شكك حقوقيون تحدث إليهم موقع “الحرة” بالنوايا المعلنة، وأوضحوا أن من تم الإفراج عنهم “لا يتجاوز عددهم المئة”.
واستعرض هؤلاء، ومن بينهم القانوني والمحامي السوري، محمد صبرا والناشط في حقوق الإنسان، المعتصم الكيلاني والمختص بالقانون الدولي، إبراهيم العلبي وجهات نظرهم حول سر التزامن بين المجزرة و”العفو”، والأهداف التي قد تقف وراء سلسلة المراسيم والقوانين، التي بات النظام يعلنها بين الفترة والأخرى، وبفارق زمني قصير.
“هجوم مضاد”
وقبل “مرسوم العفو” كانت خطوة النظام السوري بإصدار “قانون يجرّم التعذيب” في سوريا قد أثارت الريبة والشكوك أيضا. وذلك ارتبط بأن من يُقدم على ذلك “متهمٌ بجرائم تعذيب وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، بحسب منظمات حقوق إنسان دولية. وما بين “قانون التعذيب” و”العفو الخاص بالجرائم الإرهابية” شهر واحد، بينما توسطهما “مجزرة التضامن”، التي تعتبر أحدث التوثيقات التي تثبت ضلوع قوات النظام السوري بجرائم وعمليات إعدام وتصفية ميدانية لمدنيين.ويشير القانوني والحقوقي السوري، محمد صبرا إلى أن النظام السوري ومنذ عام 2012 أصدرت عدة مراسيم عفو، لكن ورغم ذلك “ما يزال هناك عشرات الآلاف من المعتقلين المغيبين والمختفين قسريا في سجونه”.
وذلك ما يدل بحسب ما يقول لموقع “الحرة” على أن “المراسيم بكاملها كانت لتحقيق أهداف إعلامية وسياسية، وبتوقيتات تتعلق برؤية النظام للوضع الدولي والإقليمي، وبعض المسائل الداخلية”.
واعتبر صبرا أن “مرسوم العفو الأخير جاء في إطار الهجوم الإعلامي المضاد الذي يقوم به النظام لإشغال الرأي العام السوري ولإخفاء ما حدث في التضامن”، بعدما تم الكشف عن المجزرة، والصدمة الكبيرة التي أحدثتها لدى قطاع واسع من السوريين، إضافة إلى الرأي العام الدولي. وبعدما كشفت “الغارديان” عن المجزرة تحوّلت جميع الأنظار السورية والعربية والدولية للحديث عنها وعن فظائعها، لكن سرعان ما استحوذ “مرسوم الأسد” على جزء من هذا النقاش. عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وكان لافتا في سياق الحدث الأخير المتعلق بــ”العفو” الخطوة التي اتخذتها وسائل إعلام مقربة من النظام كـ”شام إف إم”، حيث أرسلت مراسلا لتغطية تجمع العائلات تحت “جسر الرئيس”، ونشرت فيه تسجيلا مصورا قال حقوقيون إنه “يدين النظام السوري بنفسه”.لكن سرعان ما سحبت هذه الإذاعة التسجيل الذي انتشر على نطاق واسع، على مدى يومين، فيما لم تنشر أي توضيحات متعلقة بذلك.
ووفق الحقوقي السوري وعضو مجلس إدارة في “المجلس السوري البريطاني”، إبراهيم العلبي فإن “مرسوم العفو جاء لطمس جريمة مجزرة التضامن”. وأضاف مستدركا في حديث لموقع “الحرة”: “كما أنه يندرج في مساعي النظام السوري لإعادة التعويم. وقد يرتبط بقاربة خطوة بخطوة”، التي أثير الحديث عنها مؤخرا، على لسان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون.
وتتلخص هذه المقاربة في أن تُقدم واشنطن مع حلفائها على رفع أو تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري، مقابل دفع موسكو الأخير لتنازلات من شأنها أن تحرز تقدما في مسار عملية الحل السياسي.
ورغم تأكيد بيدرسون عليها كسبيل للحل، إلا أن النظام السوري سبق أن رفضها على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”هيئة التفاوض السورية” و”الائتلاف الوطني السوري”.

“حركة موجهة للغرب”
ويعتقل النظام السوري ما يزيد عن 215 ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم، بحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”وقلما تصدر تعليقات رسمية بشأن مصير هؤلاء، أو حتى بخصوص التقارير التي تتحدث عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقلات.
واعتبر المحامي السوري صبرا طريقة الإفراج عن بعض الأفراد في الأيام الماضية “تدل على أن هؤلاء لم يكونوا أصلا معتقلين، بل مختطفين من قبل مافيا”.ويقول: “المافيا وحدها تتصرف بهذه الطريقة وعندما تترك أشخاص مخطوفين منذ 11 عاما في قارعة الطريق وبعد منتصف الليل دون قوائم أو وثائق إثبات شخصية، ودون أي إجراء قانوني أو قضائي من قبل وزارة العدل والنيابة العامة”.
وكانت “وزارة العدل” في حكومة النظام قد نشرت بيانا جاء فيه إنه ” لا داع للأهالي الانتظار والتجمع، وأن المشمولين بالعفو يتم إطلاق سراحهم مباشرة بشكل فردي ومتتابع بعد إتمام الإجراءات القانونية، ولا يتم نقلهم إلى أماكن هذه التجمعات”. وأضاف البيان أن “إطلاق سراح المشمولين بالعفو يتم من أماكن توقيفهم”.لكن صبرا يوضح أن “مجموع المعتقلين في سوريا هم معتقلون أساسا بدون أي مستندات قانونية وقرارات قضائية، ودون أي إجراء”.ويضيف: “هم مجموعة من المختطفين التي تحتفظ بهم أجهزة الأمن لأسباب، ربما تفاوضية سياسية تتعلق في محاولات النظام لإعادة بعض التوازنات السياسية من خلال إمساكه بهذا الملف. لا يوجد عائلة سورية إلا ويوجد لها مختطف ومغيب قسرا”.من جهته رأى المحامي والحقوقي السوري، المعتصم الكيلاني “مرسوم عفو الأسد” بـأنه “حركة استعراضية موجهة للغرب وليس للسوريين”.ويوضح الكيلاني لموقع “الحرة”: “هو تغطية على جريمة التضامن وإظهار للمجتمع الدولي بأن بشار الأسد يقود مصالحة وطنية شاملة في سوريا، وأنه موجود على رأس حكومة تسير بمستقبل سوريا”.
وتؤكد الآلية الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن “النظام السوري ارتكب أكثر من 90 بالمئة من الانتهاكات التي وقعت في سوريا، وبالتالي لا يمكن إبعاده عن المحاسبة وخريطة الانتهاكات”.
ويتابع الكيلاني: “أي حركة من النظام سواء من تجريم التعذيب أو غيره هو موجه للغرب ويقول من خلاله الأسد إنني أسير بمستقبل سوريا نحو مصالحة وطنية. لكن واقع التطبيق الفعلي صفر”.
“خارطة طريق”
ولم تفض المسارات السياسية التي مضى بها نظام الأسد والمعارضة السورية، على مدى 11 عاما إلى أي نتائج على صعيد الإفراج عن المعتقلين أو الكشف عن مصيرهم، وعما إذا كانوا على قيد الحياة أم توفوا تحت التعذيب. وكان من بين هذه المسارات “سوتشي” و”جنيف” و”أستانة”.
وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الدولي و”الدول الصديقة وغير الصديقة للسوريين”، التي لم تتمكن أيضا من خلال مواقفها الكثيرة في التوصل إلى أي نقطة يمكن البناء عليها بخصوص المعتقلين، سواء في الوقت الحالي أو مستقبلا.ويبدو أن ما حصل خلال الأيام الماضية من طرف الأسد، بحسب عضو “هيئة التفاوض السورية”، يحيى العريضي أنه يندرج “ضمن شيء يشبه خارطة طريق”، بحيث يقوم النظام “ببعض الإجراءات لإنجاز هدف يصار الحديث عنه من قبل روسيا، وتحديدا إعادة التأهيل والعودة للجامعة العربية”.وقد يكون ذلك مرتبطا بسلسلة من التطورات التي حصلت مؤخرا، بينها الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، و”التواصلات المتعلقة مع أمريكا وروسيا وإسرائيل”. ويقول العريضي لموقع “الحرة”: “ذلك ليس بغريب أيضا عن عبارة بيدرسون (خطوة بخطوة) والتي صدرت أيضا عن مراكز أبحاث معنية بالشأن السوري”.
ويضيف السياسي السوري المعارض: “خارطة الطريق بالمفردات الموجودة فيها يقوم النظام ببعض الإصلاحات وشيء بمحاربة الفساد القائم”.
لكنه يتسدرك بحديثه، ويشير: “لاحظنا كيف بدأ النظام بخطوات خلبية وإيقاف بعض الأشخاص من دائرته بتهم فساد. هو كيف يحارب أدوات فساده؟ كل الأمر من أجل الترويج الإعلامي. وذلك يخدم محاولاته”.واعتبر العريضي أن “مرسوم العفو جاء كرد فعل بعدما انفجرت في وجهه حفرة التضامن. هذه الحالة أربكته ودفعته للالتفات للورقة الأساسية، التي يأخذ عبرها سوريا كرهينة. هي ورقة المعتقلين”.”هذه مسألة هامة بالنسبة لكل سوري وللأمم المتحدة، ولا يوجد إحاطة صحفية لبيدرسون إلا ويتطرق لها، سواء كان مقتنعا بها أم لا”. وانتقد السياسي السوري الأطراف التي ما تزال تتمسك بمسار “اللجنة الدستورية السورية”، والمبررات التي يضعونها لذلك، “مثل إبقاء العملية السياسية حيّة والقضية والقرارات الدولية كذلك الأمر”.ويتابع: “أعتقد أن ما يقارب من مليونين وثيقة عن إجرام النظام هي كفيلة وكثيرة لإبقائها حية. يكفي للعالم صور قيصر التي رأها الكونغرس الأمريكي أقوة قوة مشرعة في العالم”.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *