منذ عقود لم يسالني سائق تكسي عن ربط حزام الأمان .. اذ ان الظاهرة طبيعية طيعة في البلدان المتحضرة .. الا ان العراق حيث يخوض الشعب المغلوب على امره اقسى واتعس عقود ظل يرزح منذ 1979 الى اليوم تحت التهديد والوعيد والخوف والمراقبة والحروب والاقتتال وهدر المال العام والفساد والطائفية والتهجير والسلب … وكل أنواع الدمار والإرهاب الجسدي والفكري .. بصورة أصبحت معها مفردات الحياة اليومية مادة تافهة لا يسال عنها المواطن المشغول بمحنته المزمنة فيما الحكومات والمتنفذين … لا يهمهم الا مصالحهم الضيقة التي لا يمكن ان تعد زراعة الورود وتبليط الشوارع وشد الحزام من اولولياتها .
في العراق اغلب القرارات – سيما الخدمية – تخلق حالتين من النفع والضرر ، واحدة تصيب المواطن والأخرى تصب بخدمة المنفذ الوظيفي.. وهذا شيء لا يحتاج الى دليل .. مع انه لا يعني جميع موظفينا الذين اكثرهم مواطنون صالحون . الا ان شلة مستفيدة متقوية تحيل تلك القرارات لجيوبها الفاسدة على حساب المواطن والوطن .. وهنا تكمن علة التخلف والحرمان التي نعانيها .
استغربت كثيرا حينما طلب مني سائق التكسي المسكين بتوسل ، قائلا : ( ارجوك أستاذ شد الحزام فان شرطي المرور يحمل وصل غرامات بخمسين الف دينار تتضاعف تلقائيا .. فان شغلي لاسبوع لا يسدها لظروفنا القاسية التي نعيشها سواق النقل الخاص ) .
فتسائلت – مع دعوتنا لسيادة القانون – ، قائلا : ( هل المرور العامة قبل ان تسن وتباشر بتنفيذ الغرامات .. أمنت سلامة الطرق وعالجت الزخم المروري .. هل عبدت الشوارع وخلصتها من الحفر والمطبات والتكسرات والتشققات .. هل اصلحت القواطع الحديدية المحيطة بالطرق والجسور بشكلها المخزي .. هل بنت مجسرات وانفاق .. هل وفرت خدمة سير تقني فني حديث .. هل هيئت مرآب للسيارات ومناطق راحة للسواق .. هل منعت السياقة رون سايد من قبل المتجاوزين وهم متنفذين وسلطوين وعددهم بالالاف .. هل استطاعت ان تنظيم سير المركبات والدراجات والستوتات والتكاتك …. هل وفرت للسائق المغلوب على امره الحماية من عرف : ( أبو الدراجة على حق داعم مدعوم ) .. وغير ذلك الكثير مما يشيب له راس الوليد وهو برحم امه .
التقيت احد أصدقائي المستثمرين العائد حديثا من زيارة له الى اسبانيا حيث وجهت له دعوة من قبل بعض الأندية هناك للاستثمار وتوقيع عقود شراكات رياضية في العراق .. وقد فاجئني اذ قالوا له هناك : ( ان العمل عندكم صعب جدا ومعقد ولا نستطيع ان نلبي لك جزء من برنامجك التسويقي المقدم والمثير للاهتمام اذ يسيل له اللعاب .. الا ان وضعكم سيء جدا .. اذ لا نستطيع ان نؤمن المصالح الخاصة باستثماراتنا ولا نضمن حمايتك وحمايتنا .. ففي بلدان العالم حينما تتعاقد سيتم التوقيع مع جهة رسمية واحدة تكفل ضمان وحماية ونجاح المشروع .. الا في العراق فان المؤسسة الحكومية وحدها لا تكفي لذلك .. بل سيظهر اشخاص يمثلون جهات أخرى تطالب بحصص لاجل حمايتك .. وبعدهم يات غيرهم ثم غيرهم ثم غيرهم … دواليك حتى تكره نفسك والاستثمار والرياضة وكل ما يمت بصلة للانفلات والديمقراطية المشوهة .