يقول سنيور ميكافيللي في كتابه (الامير) انه لايوجد حرج للحكام الذين يضربون عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية التي تربط بينهم وبين شعوب المجتمع الذي يحكمونه، طالما ضمن لهم ذلك البقاء في السلطة، فأن المعارضة (الحديثة !) ترى هي الاخرى انها ليس أقل شانا من ميكيافيللي ، لذلك ضربت كل القيم الاخلاقية والمباديء من أجل الوصول الى منصب الحكومة، ولايهمها (المعارضة) ان تسفك دماء الابرياء مادام ذلك يضمن لها الوصول الى السلطة ،وحقيقة الامر ان الحكومة في اصلها معارضة والمعارضة في طريقها لتصبح او تمسي حكومة ، او تقترب كثيرا من ان تكون حكومة ، ويبقى الحال هكذا معارضة تعمل جاهدة وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة !! ، من اجل الوصول الى الحكم ، وظهور معارضة جديدة ، والعبرة ليس في معارضة او حكومة ، انما العبرة هي كيف تحقق المعارضة اهدافها عند تسلمها زمام الامور والوصول إلى سلطة الحكم ، والذي يحصل دائما ان المعارضة التي تشكل الحكومة تنشغل بأمور كثيرة تبعدها وتنسيها اهدافها ، التي كانت تنشدها ايام المعارضة ،ومن الامور التي تشغلها على سبيل المثال كيفية خلق الازمات حتى تنشغل جميع الاوساط عن مراقبة ورصد عملها ، وليس هذا فحسب بل ان المعارضة عندما تتسلم مقاليد الحكم وتصبح هي الحكومة فأنها تتحول ايضا الى معارضة اوسع ، بمعنى تتحول من معارضة داخل البلد الى معارضة لعدد من حكومات دول الجوار والدول الاقليمية وعدد من دول العالم وبالتالي فانها (المعارضة ) تسعى لتحقيق اهداف تراها هي انها اهداف استراتيجية وكبرى ، بينما يراها (قاسم) المواطن المسكين اهداف غير مهمة وصغيرة جدا،والمتضرر دائما وابدا من كل هذه الامور هو المواطن المسكين الذي يتحمل كل المصائب ( رغم انفه) ، وهذا المواطن المسكين متحير وهو في حقيقة الامر جل الذي يريده مصدر رزق يوفر لقمة عيش كريمة وشريفة له ولعائلته ، والحكومة تعمل جاهدة على توفير هذه اللقمة ولكن وفق شروط ، والشروط هي كثيرة وعديدة يصعب تحقيقها ومن هذه الشروط ، ان تكون يامواطن يامسكين لديك استعداد للتملق لهذا الافندي او ذاك ، واياك يامواطن يامسكين ان تذكر بأنك متعلم ، لان هذا الامر كفيل بأن يجعل منك عدو للأفندي غير المتعلم ، ومن الشروط الاخرى غير المهمة !! اياك ان تطالب بتوفير درجات وظيفية لباقي المساكين ، وأياك والمطالبة بتخصيص راتب للارامل والمطلقات وصرف مبالغ للايتام وأياك والمطالبة بتوفير الكهرباء !! وكثيرة هي الشروط .
ان الحكومة تدرك جيدا ان المسكين عندما يحصل على لقمة عيش كريمة فأنه لن يتوقف عند هذا الحد بل يبدأ في المطالبة بسكن افضل ، وكذلك المطالبة بواسطة نقل حديثة ،ويبدأ المواطن المسكين التفكير في كيفية العيش بترف ،وكثيرة هي الامور التي يفكر فيها والتي من شأنها ان تقفز به وتوصله الى مرتبة المنطقة ( الكرينية) ،وعند ذلك يكون المسكين قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وكذلك الصفراء والسوداء وكذلك تجاوز الخطوط التي وضعها بعض حمقاء هذا البلد.
ويبقى الحال كما هو علية حكومة ومعارضة ومواطن مسكين .