من المتداول بين الناس في العلاقات العامة، إذا أردت أن تمتدح شخصاً عمل عملاً حسناً معك، تقول له: أنّك أصيل. وقد يكون لهذه المفردة مفهومها المؤثر في التلقي عند الآخر، إذ تدفعه إلى عمل الخير وإبداء الجميل مع الناس عامةً. بيد إنَّ هذه المعاني بدأت تفقد بريقها اليوم بفعل التهالك على العصرنة ورمي كل ماهو قديم وراء ظهورنا. وقد ندرك مانقترف من أخطاء لكننا نسعى بكل الجهد من أجل اللهاث وراء ماتسمى (الحداثة) في جميع مفاصل الحياة وحيثياتها، ويبقى السؤال الأهم في الموضوع، متى سوف نستجيب لمداركنا واحساساتنا في انتهاج الأصلح من الأمور؟ وكيف نواجه احباطات السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة في ظل هذا الإرباك المستفحل في مضامين واقعنا السائد؟؟. وربما يعدُّ تناول القضية بطريقة موسَّعة غير مُغنٍ للعبور إلى جادَّة الصواب والحفاظ على هويتنا من الإنهيار والتداعي، على الرغم من حرص كثير من المفكرين العرب على تجديد الأساليب القديمة في حياتنا من أجل بلورة هذه الأفكار وضرورة التمسك بها لديمومة الحبل السرِّي الذي يربط الماضي بالحاضر الجديد، وقد أثبتت التجارب العملية للشعوب النجاح الذي أصابها بفعل الإلتزام الواعي ببعض الأعراف الحميدة والحرص على فرز ماتمخضت عنه الحياة المعاصرة من مستحدثات في عالم الفكر والأدب والتكنولوجيا؛ لأنَّ العامل الأساس في نجاح أي عمل هو الإنطلاق من أُسس ثابتة والإرتكاز على خلفيات ثقافية تهيمن على النسق الحضاري للشعوب.
ولو تدبَّرنا واقعنا السياسي اليوم نجد أن كلَّ الخطوات التي نسير عليها تفتقد إلى العلاقة الوثيقة بين المجتمع والأُطر السياسية في الاجراء، لذلك بقيت نسبة الفتور تتصاعد شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن حتى بدت العزلة المجتمعية عن هذه الأُطر واضحة جلية، وقد يكون مستوى الأقبال على الإنتخابات البرلمانية هو الدليل الساطع الذي لايقبل الشك في هذا الشأن. وليست ردود الأفعال هذه اعتباطية، أو أنَّها محض صدفة، بل إنَّها ترتبط بعوامل عدَّة منها؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية. فالمواطن العراقي الذي اعتاد على رعاية الدولة له، اصطدم بعد عام 2003بواقع جديد تجلّى في التسابق الدنيوي المحموم بين أبناء طبقات المجتمع الذي ترك آثاره السلبية على طبيعة العلاقات الإجتماعية والثقافية، هذا فضلاً عمَّا شاب الحياة السياسية من إرباك وعدم توفيق في لملمة شتات الأمور التي بعثرها التغير السياسي وشيوع الفساد الإداري والمالي الذي استغل هذه الفوضوية في الأداء.
وبذلك سجلت العملية السياسية تراجعاً ملحوظاً في العلاقة بين المواطن من جهة، والدولة من جهةٍ أُخرى، كذلك اتسعت الهوة التي تفصل الكيانات السياسية بفعل تعاظم أزمة الثقة بين أطرافها، وانعدام الجدية في تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة .