الواضح أن القوى السياسية الممسكة بزمام المبادرة العراقية والمتطاحنة على بناء “مجدها السياسي” على إنقاض شعب تحول غالبيته إلى “رهائن ” بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،لم ولن تريد الاعتراف ولو لمرة واحدة أنها تعيش عصر “الظمأ السياسي” وزمن “التيه” وليس بمقدورها تحقيق هدف واحد مما طرحته عبر خطابها المتكرر ومنهجها المتأرجح ورؤيتها الضيقة ولم تدرك بعد أن العراق على مشارف “تحولات جذرية” ويمر بمنعطف تاريخي حاسم، بمعنى أن ما تعرض له العراق في فتراته المتأخرة من ضربات متعددة سياسياً وأمنياً واقتصادياً يعد الأضخم مقارنة مع دول الشرق الأوسط مجتمعة ، وأن “التقهقر الإقتصادي” جراء تناسل أنظمة الفساد المبددة لثرواته هو الأشرس ما نجم عنه “إنهيار قيمي” انسحب على جميع الفعاليات تأثيراً وتداعي ، ذلك لأن “الضياع الإقتصادي” ونفاد المال الوطني يؤثر تأثيراً مباشراً على التفكير الجمعي ونمط الإعتقاد والرؤية والتطلعات لكل مجتمع من المجتمعات ،وهذا المآل سيمهد الأرضية لهيمنة قوى وجماعات ويمكنها من تأسيس قاعدة رصينة للتحكم بالمصائر ويفتح الباب واسعاً لبروز قطيع مبرر خوفاً وطمعا للاستبداد السياسي وإلا ماذا يمكن أن نسمي إنصهار أفراد ومجتمعات في رمزية واحدة ، أرجح أن ما وصلت إليه قوى السياسة في العراق بعد 2003 من تخبط وتوهان وحيرة في بلورة رؤية سياسية ناهضة قادرة على بناء دولة هو وجود مجتمع لم يفقه بعد أبجديات المساهمة في بناء دولة مواطنة ،ولم يدرك حتى اللحظة انه شريك حقيقي في تأسيس واقع سياسي واقتصادي مغاير ،بل على العكس من ذلك ساهم عن علم وجهل في وصول قوى وأفراد إلى ذروة جبروتها لتتحول بعد ذلك إلى “أمبراطوريات” عصية على الكسر والتلاشي، ولا أجد مبرراً واحداً لهذا الانقياد التام الذي حول العراق إلى أطلال والسياسيين إلى ملوك وسلاطين. ..وأكتمل الهدم .
ولعل هذه التيه التي أشرت إليها في سياق المقال أسهمت في غياب “اليقظة الجماهيرية” حيال الضياع والإنهيار الشامل الذي وصل إليه العراق جراء تمدد هذه المجموعات السياسية وكبحها لكل نهضة ونتاج ،بينما يرى “مطبلوا المرحلة” أن الفضل يعود لهذه القوى السياسية الشجاعة ،وبأنها التي أسهمت في تغيير مجرى التاريخ !! ،وهذا لعمري “المرض الإجتماعي” العضال الذي مهد الطريق لظهور ديكتاتوريات فردية وأضعاف دور الشعوب في تقرير مصيرها وبناء دولتها ونهضتها ورقي مواطنيها …وأكتمل الوهن .