سلام عليك أيّها الخاشع أمام صليب الألم صامتًا!
سلام عليك أيّها الرجل المتكّئة عليه آلام الآخرين والمتكّئ على خياله النحيل السائر نحو الغروب.
سلام عليك أيّها الشاعر العاشق والمعشوق، والطفل العاجز عن سبر أغوار الحقائق. المدمن على اللذات المحرّمة والمقدّسة. الساهر، العابر، المتأمّل، المتألّم، الملحد، المؤمن، الغاضب، الباحث، المجروح، المتسائل، المستسلم، العابث.
أكاد أراك الآن أمام أوراق بيضاء ترسم عليها علامات الوقف التي يتوقّف عندها الكلام قبل أن يجد ما يقوله.
وحيدًا، في عتمة المرض الذي يحاصرك ويسخر منك ويتهّمك ويهينك. تحمل سيف القتال راغبًا في محاربة عدو لا تراه ولا تعرف عنه إلاّ الغدر والقسوة في حين أنّ صوت قهقاته الساخرة يملأ الهواء ويتسرّب إلى المياه ويعربش على الجدران ويتسلّل إلى أغطية السرير.
أكاد أسمع صمتك المختبئ بين المكتب والكرسي، وبين الكتب المتراصّة كأموال البخلاء، وبين ذرّات البنّ المطحون كأحلامك، وبين غرفة النوم والشرفة المفتوحة على كلّ الاحتمالات.
أيّها الثائر المؤجّلة ثورته، والحبيب الموصوم بالخيانة، والرجل المتهّم بالنساء، من يلومك إن رزحت تحت ثقل الحزن والأسى حين اكتشفت فجأة أنّ الرجل آخر من يعلم، وأنّ الشاعر يستطيع أن يسبر عوالم مجهولة، ويكتشف المكامن الخفيّة، ويرصد ما يجري في دواخل النفوس، ويؤلّف أسماء وحكايات ووجوهًا، لكنّه يعجز عن اختراع دواء ينقذ من يحبّهم من الأمراض والأوجاع، وأنّ المبدع قادر على تخليد نفسه وتخليد من يريد ولكنّه يعجز عن حماية أحد من الموت، وأنّ السماوات تنحني خجلاً أمام الألم المحطّم والمذلّ وإن قيل في تمجيده الكثير من الكلام، لكنّها نادرًا ما تتدخّل لتخفيفه.
أيّها الشريك المستعيد الآن أعوامًا من الأفراح والآلام والصور، وأيّاماً من الغياب والابتعاد والسفر، وساعات من الغضب والثورة والصمت، ودقائق من الأحاديث والعتاب والحنين، ولحظات من العشق والجنون والشعر، من يجرؤ على أن يمشي اليوم على الدرب الممتدّة شوكاً بين قلبك وعقلك بعدما ذبلت زهراته الربيعيّة البيضاء وانحنت أعناقها النحيلة مستسلمة راضية؟