الفن يعرف على أنه أعلى درجات الثقافة والابداع الإنساني، كونه رسالة تسامح غايته الارتقاء بعلياء الفكر الإنساني والترفع عن صغائره القاصرة وصولا لتحقيق غايته العميقة المعاني في بلوغ رسالة السلام والانسجام، بين أفراد المجتمع الواحد، أو المجتمعات المتباعدة.
وبخلاف ذلك قد نرى دراما غايتها بث السموم والكراهية وتشويه الحقائق وممارسة التلفيق والتزييف ضد الآخر، والإساءة لحقوق العلاقات سواء مع فرد أو جماعة أو مجتمع، أو شعب آخر، فهذا لا يمكن ان نطلق عليه بـ ” الدراما ” بل ” التلويث الفكري” أو “الاستعداء”، الذي يندرج ضمن ثقافة العداء والتجاوز والتمهيد لإحداث خلافات أو نزاعات بحسب قدرة وتأثير الجهات المتصارعة، والدراما أو الفن كواجهة ثقافية متقدمة لكل بلد أو شعب، ينبغي أن تكون الباب الأول لدبلوماسية المحبة والسلام، وما أحوجنا اليها في عالم اليوم، الذي تطويه موجات عنيفة من الكوارث الطبيعية والنزاعات والحروب التقليدية والاقتصادية، والسياسية والارهاصات النفسية والعقد الاجتماعية، فالحصارات أخذت تأكل بجسم الانسان، والحروب تهشم أسيجة وسقوف الأمان للشعوب، والزلازل تهد عمارات وبيوت، في بلدان الشمال والجنوب، وتخلف ضحاياها بعشرات الألوف، وتجبر أكثر من ذلك الى العيش في كهوف، وإزاء ذلك ينبري المتنورون من الفنانين والمفكرين المصلحين، والفنيين والمعماريين، والمثقفين والمنظرين السلميين بالتصدي لرأب الصدع، بغاية عميقة المعاني تتجسد في إحلال الوئام والانسجام، وإعادة الأمان والاطمئنان، انها معركة الحياة، وحتما تقع على منتجي الدراما مسؤولية التحلي بالمعالجة والاصلاح، وصهر عقول الناس في بوتقة ثقافة السلام والتقريب، وليس التحول لأدوات تخريب فكري لصالح جهات معادية، وعابثة من المجهلين من صناع الخلافات.
غريب أن تطالعنا الدراما المسيسة دون غرض نافع، أو توقيت مبرر سيما بشهر رمضان المبارك في لحظة يتسارع العراقيون والكويتيون والعرب عموما نحو بعضهم بعض بمشاعر أخوية رحبة، مدركين انهم أحوج ما يكون لتصفير خلافاتهم، واستبدالها بعلاقات ثنائية أو جماعية، وتحقيق التكاملية والاندماجية الإنتاجية، ونموذج قولنا ما حصل في خليجي 25 في البصرة العراقية التي ضيفت فيها عجوز مهيوبة بعزة النفس والكبرياء والقيم، ضيوفها من الأشقاء العرب على موقد كرم، ومائدة من قدر طعام دسم، وقوري شاي بخاره كان ينفث عطر أخوة وأمومة وعفت عراقية شامخة.
نتفاجأ بإنتاج مسلسل كويتي الذي بدأ عرضه مع بداية شهر رمضان، اعترض عليه العراقيون كونه يسيء لهم، وللمرأة العراقية المجتهدة، والعالمة والفيلسوفة والمربية والمفكرة، وسيدة الأعمال ،،، نخلة العالم الشامخة. فالكويتيون أشقاء للعراقيين، ونقول للكاتبة والمخرج ، وبقية الممثلين في مسلسل التأليب والتجهيل والنبش في زاوية مظلمة، عليكم أن تقرأوا عن الشعاع المضيء في التاريخ الطويل للبلدين الشقيقين” العراق والكويت” وأن تدركوا أن فخامة المرأة العراقية يمثل سيادة شقيقتها الكويتية في عنوان العروبة الكبير، وأن عملكم هذا هو تجاوز على أخوة الشعبين الشقيقين.
يا أيها الممثلون المخطئون ان الفهم المنطقي للدراما بعدها المحطة المتقدمة للثقافة، قبل أن تمثل سياح أمان للفكر، هي عمل جبار متقن لبلوغ الوعي الجماهيري، غايتها تقريب الشعوب من بعضها بعض، وبناء جمهور بثقافة موحدة عابرة للحدود والجغرافيات، وبخلاف ذلك إنما هي تبتعد كليا عن مفهوم الـ” فن لتصبح فتن ” تختلق نزاع بلا جمهور، لأن الأخير يصبح متفرج يسخر من المتخاصمين وينتقد سلوكياتهم. وتحية لعنوان كبير يمثله العراق والكويت.
{ كاتب وأكاديمي