أسكن‭ ‬الآن‭ ‬بمفتتح‭ ‬شارع‭ ‬جميل‭ ‬متوسط‭ ‬الطول‭ ‬ينتهي‭ ‬بأربعة‭ ‬مشافي‭ ‬وعشرات‭ ‬أو‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬عيادات‭ ‬طبية‭ ‬ومختبرات‭ ‬فحص‭ ‬دم‭ ‬وسكر‭ ‬وضغط‭ ‬وعظام‭ ‬وعيون‭ ‬،‭ ‬وبضع‭ ‬صيدليات‭ ‬منثورة‭ ‬على‭ ‬سور‭ ‬مكتظ‭ ‬منظره‭ ‬يوحي‭ ‬برائحة‭ ‬الديتول‭ ‬وأخوته‭ ‬بالتأثير‭ ‬والهوية‭ .‬

ثمة‭ ‬شقق‭ ‬مفروشة‭ ‬كثيرة‭ ‬وفنادق‭ ‬وأجنحة‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬يسكنها‭ ‬المتشافون‭ ‬وأهلهم‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬العلاج‭ . ‬حشد‭ ‬دكاكين‭ ‬تبيع‭ ‬الحاجات‭ ‬للمرضى‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬البضاعة‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬بكافتيريا‭ ‬المشفى‭ ‬ستكون‭ ‬أغلظ‭ ‬سعراً‭ ‬من‭ ‬أخياتها‭ ‬المعلقة‭ ‬على‭ ‬أرفف‭ ‬الدكاكين‭ ‬،‭ ‬وبعض‭ ‬عربات‭ ‬ومصاطب‭ ‬وزوايا‭ ‬القهوة‭ ‬والطعام‭ ‬الرخيص‭ ‬السريع‭ ‬والجرائد‭ ‬الورقية‭ ‬التي‭ ‬يشتهي‭ ‬المريض‭ ‬قراءتها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬سالماً‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬شعور‭ ‬ثانوي‭ ‬غير‭ ‬مؤثر‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬زرع‭ ‬إحدى‭ ‬قدميه‭ ‬بباب‭ ‬مقبرة‭ ‬مؤجلة‭ ‬ولو‭ ‬إلى‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬دهر‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ !!‬

على‭ ‬مبعدة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬المشفى‭ ‬الأكبر‭ ‬،‭ ‬يوجد‭ ‬دكان‭ ‬صغير‭ ‬يطعم‭ ‬الناس‭ ‬الفلافل‭ ‬والفول‭ ‬والحمص‭ ‬وما‭ ‬حولهما‭ ‬،‭ ‬والحق‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أجرؤ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬لفة‭ ‬فلافل‭ ‬مشتهاة‭ ‬وساخنة‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬من‭ ‬قلقي‭ ‬الشديد‭ ‬وإعتقادي‭ ‬الراسخ‭ ‬بأن‭ ‬زفة‭ ‬أعراس‭ ‬كثيرة‭ ‬لفايروسات‭ ‬وأعطار‭ ‬لعينة‭ ‬تغطي‭ ‬خشم‭ ‬المطعم‭ ‬والمدى‭ ‬المزدحم‭ ‬حوله‭ .‬

بمستطاعي‭ ‬أيضاً‭ ‬الإنصات‭ ‬إلى‭ ‬أصوات‭ ‬شديدة‭ ‬الوضوح‭ ‬منبعها‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬التي‭ ‬بدلت‭ ‬نغمتها‭ ‬من‭ ‬موسيقى‭ ‬عتيقة‭ ‬كنا‭ ‬نتشنف‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬وقوع‭ ‬غارة‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬دوزنة‭ ‬حديثة‭ ‬تزود‭ ‬السامعين‭ ‬بكمية‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬الفرح‭ ‬والأمل‭ ‬والطمأنينة‭ !!‬

على‭ ‬مسافة‭ ‬رمية‭ ‬عصا‭ ‬بيمين‭ ‬قوية‭ ‬،‭ ‬سيكون‭ ‬بمقدور‭ ‬صاحب‭ ‬المريض‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الكبير‭ ‬لتصريف‭ ‬بعض‭ ‬الملل‭ ‬والإحباط‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬قراءة‭ ‬ممسوقة‭ ‬لشاعر‭ ‬غبي‭ ‬بارت‭ ‬بضاعته‭ ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬حيلة‭ ‬إركابها‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬عازف‭ ‬عود‭ ‬وربما‭ ‬ضاربة‭ ‬بيانو‭ ‬تشهر‭ ‬نصف‭ ‬فخذها‭ ‬الرائع‭ ‬،‭ ‬فيغص‭ ‬المكان‭ ‬بنباح‭ ‬الأكف‭ ‬وعياط‭ ‬الحناجر‭ ‬ويعود‭ ‬الشاعر‭ ‬التالف‭ ‬إلى‭ ‬سيرته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حلب‭ ‬الوهم‭ ‬اللذيذ‭ ‬من‭ ‬حلق‭ ‬السبع‭ !!‬

المشهد‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الثرثرة‭ ‬هو‭ ‬منظر‭ ‬باقة‭ ‬متناثرة‭ ‬من‭ ‬شحاذين‭ ‬وشحاذات‭ ‬وسيمين‭ ‬ووسيمات‭ ‬يمتازون‭ ‬بالذكاء‭ ‬الحاد‭ ‬وقوة‭ ‬البديهة‭ ‬والتدبر‭ ‬وصناعة‭ ‬العاهة‭ ‬وتلوين‭ ‬الوجه‭ ‬بطسات‭ ‬سهلة‭ ‬من‭ ‬الوجع‭ ‬المفيد‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المهنة‭ .‬

الشحاذ‭ ‬الذكي‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المربع‭ ‬الإستشفائي‭ ‬الجليل‭ ‬،‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬العليل‭ ‬المحبط‭ ‬بسرطان‭ ‬أو‭ ‬بعطب‭ ‬قلب‭ ‬وكبد‭ ‬وروح‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬الآن‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬شحمة‭ ‬الأذن‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬بحاجة‭ ‬قوية‭ ‬لصنف‭ ‬مشهور‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬الثواب‭ ‬ودعاء‭ ‬الشحاذين‭ ‬المستجاب‭ ‬والمصنوع‭ ‬بدقة‭ ‬وحرفة‭ ‬عالية‭ ‬،‭ ‬والأمر‭ ‬نفسه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العائلة‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬دس‭ ‬دينار‭ ‬فائض‭ ‬بيد‭ ‬متسول‭ ‬هادىء‭ ‬سيكون‭ ‬بعض‭ ‬علاج‭ ‬نازل‭ ‬من‭ ‬رازونة‭ ‬سماوية‭ ‬ممكنة‭ !!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *