جميعنا شاهدنا لقطة في فيلم كلاسيك أو حديث رومانسي أو اكشن .. شخصاً في سيارة الشرطة ذات الشباك الحديدي الصغير ينظر من خلاله المُعتقل أو المتهم البريء إلى العالم الخارجي الكبير وهو الدنيا ، ويقولون لنا تكراراً الدنيا صغيرة ، وكثيرة كلمات الاغنيات التي صاغتها بطريقتها .. أو بطريقة الشاعر الذي كتب الأغنية لأننا بأختصار نقول ونكتب ما بخواطرنا وأذهاننا فربما نرى الدنيا كبيرة وغداً تكون صغيرة والسر ليس هنا .
السر في نظرتنا للحياة فهو يتعلق بأفكارنا فقط وليس بطبيعة الحال أو حلاوة ومرارة الدنيا التي ندور بها أو تدور بنا ولا في الأيام التي نعيشها أو تعيشنا .. فالواقع أحياناً يكون نتاجاً لأفكارنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا ومبادئنا وخيالاتنا أيضاً بل وحتى آمالنا ، فيمكن أن أسهر من أجل الحصول على العلم أو أصرف نهاري في الجهل ويمكن أن أمنح أولادي حياة هانئة أو بائسة كما يمكن أن نمنح المشاعر لمن يستحقها أو لمن هو ليس أهلاً لها ، وتلك مجرد أمثال لكثير من الأمور الحياتية التي نعيشها يومياً .. فالكثير منا يتصور مثلاً أنه شخص عصبي بسبب الناس والحقيقة أنا لن أكون في حالة عصبية إلا لو وضعت الشعور السيء في داخلي وأطلقت الحرية لأنفعالي دون سيطرة عقلية أو تحكم ذهني ولذلك الحكمة العربية والصينية تقولان أن العالم الداخلي لنا هو مايؤثر فينا أكثر من العالم الخارجي ، فما السبب الذي يجعل مليونير أو ملياردير يشعر بالتعاسة إلا لو أنه كان يعيش برفاهية وسعادة بلا حدود وصار يشعر بالملل ويريد المزيد من السعادة أو أنه يمتلك المال لكن لا يمتلك السعادة ، والبعض يقول أن السعادة تأتي من المال وبعضهم يذكر أن الغنى هو غنى النفس والسعادة هي القناعة .. أما رواد التنمية البشرية ذهبوا إلى أن السعادة هي ليست الهدف الموصول بعد الطريق بل نجدها في الطريق ثم نصل للهدف أو لا نصل إليه ، وشاهدت مقولة لممثل أوروبي يقول أن سيارة الفيراري والكاديلاك لا تجلب لي السعادة لكنها تجعلني اعيش تعاستي برفاهية ، وهذه كلها نظريات وأفكار تحكمنا في الحياة بل وتحدد طريقة ومستوى حياتنا المادي والاجتماعي وأيضاً الشعوري ، فهنالك ملياردير توفى لم يترك لأبنته فلساً واحداً لأنه لايحبها ويشك أنها ليست ابنته ، ورجل أعمال ثري تحسر وهو على فراش الموت لإنشغاله في العلم والعمل رغم أنه جمع ثروة هائلة من المال .. وتعلمون كثيراً من الفنانات والفنانين اصيبوا بالاكتئاب وتعاطوا المخدرات ومنهم من انتحروا دون سبب رغم حصولهم على كل مايحلم به أي إنسان ، وذلك يثير الغرابة إلا أنه صدقاً ولكي لا أبالغ ربما بعض الإيمان والرضا والأمل والسلام الداخلي وربما عدم التعلق بالأشخاص والمال والقيل والقال ورحاب الخيال والسهر والقهر وكثرة الآثام والغرق في الأحلام يزرع فينا قليلاً من الطمأنينة والسكينة التي تختلف عن السعادة تلك القضية التي حيَّرت الفلاسفة والعلماء والناس وإحترنا كيف نشعر بها ونصل إليها مثل مايقول المثل الشعبي حرت وحيرني زماني ، ولكن أكثر الظن نحن نحيّر أنفسنا أكثر من الزمان .. نسيت أن أقول في البداية المتهم الذي داخل سيارة الشرطة كان ينظر للدنيا من الشباك ولكنه يروي أنها كانت نافذة وشاهد من خلالها أرض واسعة خضراء وسماء مليئة بالغيوم والطيور .. هكذا نحن قد ينظر أحدنا من ضيق السجن إلى فضاء واسع بالنجوم وقد ينظر من فضاء قصرة وحدائقه وسياراته إلى ضيق السجن .