يتساءل كثيرون بعضهم مثقفون يُصنفون على الكبار : ألا تعرف حركة حماس ان ردة الفعل الصهيونية ستكون قاسية جدا ، وانهم سيتخذون من عملية طوفان الأقصى ذريعة لتبرير أفعالهم العدوانية التي ستطول كل شيء دون التزام بضوابط أخلاقية او قيم انسانية او قوانين دولية ، ألا تعرف حماس ان عمليتها ستوظف لإقناع الرأي العام الغربي بأن ( اسرائيل ) هي المدافعة عن السلام ، لتحصل بذلك على دعم الرأي العام او تضمن سكوته ازاء تصفية القضية الفلسطينية بالآلة العسكرية ، وبالتالي لابد أن تنسجم مواقف الدول الغربية مع اتجاهات شعوبها.
والجواب : علينا ألا نلقي اللوم عليها كما ألقاه الرئيس محمود عباس بقوله ( ان حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني ) ، ، الخلافات بين الفصائل تنفي وجود آلية توزيع الأدوار في ادارة الصراع مع الكيان الصهيوني ، فالقضية الفلسطينية برغم التنازلات المقدمة فلسطينيا وعربيا الا انها ظلت راكدة وتراوح مكانها ، بينما مسارات التطبيع وعمليات الاستيطان ماضية بوتيرة متصاعدة ، ما يقتضي تحريكها ، وهذا ما فعلته .
ليست المخططات الصهيونية للقضية الفلسطينية بخافية على حكام الدول العربية والاسلامية ، بل يدركون تمام الادراك ان التعويل على أمريكا وحلفائها الغربيين ، والصداقات الحميمة مع واشنطن ، والاتفاقيات الاطارية والاستراتيجية ، والركون الى القرارات الأممية ، والمسارات السياسية للأسرة الدولية ، لن تفضي الى شيء اطلاقا ، لكنهم مع ذلك يحاولون ايهام شعوبنا المنشغلة أصلا بهمومها اليومية ومآسيها الانفرادية التي كانت لأمريكا واسرائيل الدور الأساسي فيها من العراق الى ليبيا وسوريا واليمن ، لكن الشعب العربي من محيطه الى خليجه واع تماما لقضيته المركزية ، ولعل تظاهرات الشارع العربي خير دليل .
كما يعرف ان حكامه أضعف من أن يكون لهم موقف مشرف في أدنى معانيه ، ولا يملكون الشجاعة لاتخاذ أبسط القرارات التي من شأنها ايقاف العدوان على غزة ، واجبار اسرائيل على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وقيام دولته ذات السيادة ، والسبب هو الخوف على شخوصهم وليس على بلدانهم ، بدلالة ان بحوزتهم خيارات عديدة غير استخدام القوة او التهديد بها الذي يتحسبون منه ، فالتلويح بإيقاف تصدير النفط كفيل بكبح جماح اسرائيل ، وهو أكثر الخيارات تأثيرا في راهننا ، علينا أن ندير صراعنا مع اسرائيل بالأزمات وليس بعبارات الشجب والتنديد ، ومثلما لفتت حماس أنظار العالم لقضيتنا المنسية ، على حكامنا أن يباغتوا أوربا بأزمة شح الوقود في شتائهم القادم ، لكي تضغط على اسرائيل للاستجابة لما نريد .
ان سلوكنا السياسي الراهن يسهم قبل اسرائيل في تذويب قضيتنا ، وتهجير أشقائنا كما حدث في عام النكبة ، اسرائيل لا تريد حلا للقضية الفلسطينية ، بل تريد ابتلاعنا جميعا ، والا لوافقت على حل الدولتين بالرغم من مضي عقود على اقتراحه ، ومع ما فيه من تنازلات قَبلَ به الفلسطينيون امتثالا لواقع غاب فيه الدعم العربي الحقيقي ، واتسعت فيه مساحة التطبيع ، وانعدمت الخيارات المؤثرة . والسؤال الذي يُراود كل عربي : متى سيتخذ حكامنا موقفا يعيد للامة هيبتها ووزنها ، وهل من حال للقضية الفلسطينية أسوأ من هذا الحال ، يمكن القول معه ان الفعل العربي مؤجل الى ذلك الحين ؟ .
لقد مزقت أمريكا وبذرائع واهية دولنا الواحدة بعد الأخرى اكراما لعيون اسرائيل ، ولن تتوقف حتى نغدو كيانات متصارعة على أسس طائفية واثنية ، بينما يمضي الصهايـــــنة بمشروعهم من الـــــنيل الى الفرات الذي بتنا نتخيله في ظل نأي دولنــــــــــا بنفسها عن النيران التي تحرق هذا البلد العربي او ذاك ، فطالما لم يصلها اللهيب ليحترق من يحترق ، متناسية ان الدور سيأتيها بضمنها تلك التي رأت في التطبيع ضمانة للبقاء .
للأسف أحضان قادتنا باردة لأطفال غزة ، على عكس حضن بايدن الدافئ لنتنياهو.