يعتبر الحديث عن الوالدين وبرِّهما، وطاعتِهما والإحسان إليهما، ينبع من الشعور ببذلِهما وعظيم فضلِهما، فهما أصلُ وجودِ الإنسان، وطريقُه إلى مرضاة الرحمن، وإنما تكرَّرَ الأمر بالإحسان في حقِّ الوالدين في قوله تعالى: (وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)؛[١] إكراماً لحقّهما وإجلالاً، ولعلَّ من أهمِّ المراحلِ التي يجب فيها مراعاة أمرِ الله للأبناء بالإحسان للآباء، هي مرحلتنا نحن الطلبة.[٢] فحين يكون أحدُنا على مقاعدِ الدراسة، يتلقّى من والديه أوجه العناية والرعاية، ويبذلانها له حتى يكون أنجح الطلاب، ولنوال هذه الغاية يذلّلون أمامه كل الصعاب، حتى إذا كبر لم ينس فضلَهما عليه في صغرِه، ولم يندم على ما فاته من برِّهما طوال عمُرِه، فيكرر الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة تالياً قوله تعالى: (وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)
البر باب للجنة إن تكليفَ الله سبحانه للابن بِبرِّ والدَيه؛ إنما هو في حقيقة الأمرِ وصيةٌ ومنحةٌ لهذا الابن نفسِه، يعود نفعُها عليه مرتين، بدايةً بالأجر والثواب في صغرِه، وبِبرِّ أولادِه له في كبَره، فينالُ الفضلَ والخيرَ من بابيه، حين يمتثل قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ)،[٤] وقد كرَّر سبحانه هذه الوصيةَ لأهميتها في ثلاث سور من القرآن؛ في العنكبوت والأحقاف ولقمان، وبابُ البرِّ بهما موصول بباب الجنة، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه).[٥] جوانب البرِّ إن البرَّ يشمل أوجه الخيرِ كلَّها، ومردّ ذلك إلى جانبين؛ قلبيٌّ وجدانيٌّ، ويكون بودِّهما ومحبتِهما والاعتراف بفضلِهما، فالأبوان يريان في ولدِهما امتداداً لأعمارهما، وقد بذلا من المحبة والحرصِ على نجاحه أكثرَ ما تمنّوه لنفسيهما، وجانب آخر سلوكيٌّ: ينشد إدخالَ السرور عليهما؛ وذلك بالملاطفة ولين الكلام وخفض الجناح، وتجنب علوّ الصوت والصياح، وطاعة أمرهما وطلب رضاهما، والدعاء والاستغفار لهما في حياتهما وبعد وفاتهما.[٦] فقد قال صلى الله عليه وسلم: (رضى الربِّ ‌في ‌رضى ‌الوالد، وسخط الربِّ في سخط الوالد)،[٧] ومن حُسن توفيقِ أئمة الهدى في النصحِ بالمنافسة في حقِّ الوالدين؛ ما نقل عن الإمام مالك: “أنَّ أحدَهم سأله فقال: طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال: أطع أباك ولا تعص أمك

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *