لا أقول وداعًا بعد الخبر الذي وصلني برحيل الصديق طارق الدليمي، الذي كنت على تواصل مع عائلته في اللّاذقية، إثر تعرّضه إلى نزيف دماغي أقعده خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة.
أخيرًا حطّ طارق الدليمي رحاله وألقى جميع أسلحته ليستسلم لذلك الزائر الثقيل الذي يسميه الجواهري الكبير “الذئب المتربّص” و”الزائر الأخير” حسب وصف الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، بعد صراع فيه الكثير من الكرّ والفرّ والتقدّم والتراجع.
قرّر طارق الدليمي أن يتوقّف عن تلك اللعبة التي بقينا نمارسها، وهي “فضيحة الحياة”، على حدّ تعبير الروائي “عبد الرحمن منيف”، فدعا عدوّه “الموت اللعين” إلى المصالحة، شرط أن تكون مشرّفة وأن يكون الصلح عادلًا، وذلك بأن يتركه يرحل بهدوء وصمت ودون احتدام أو مواجهة، لينتقل إلى السديم الأبدي، لترتاح روحه التي ظلّت معذّبة، على مدى زاد عن ستة عقود من الزمن، وكأنه يريد أن يقول، كما كان يردّد مع سعد زغلول “غطّيني يا صفية.. ما فيش فايدة”، وذلك حين خاطب زوجته لحظة احتضاره.
هكذا رحل الدليمي دون ضجيج، وهو الذي كانت حياته مملوءة بالصخب والانفعال والأزمات والمعارك الكبرى والصغرى.
طارق الدليمي لم يترّجل يومًا، ولم يترك معركةً إلّا وخاضها إلى النهاية منتصرًا أو مهزومًا، غادرنا في محطّته الأخيرة، وهو ينظر إلى ما تبقّى من أصدقائه القليلين بعين العطف والشفقة، وكأنه الباهي محمد الذي جاب العالم شرقًا وغربًا، وكافح ونافح وكتب وحرّر وصارع وانقلب، لكنه في نهاية المطاف سخر من كلّ شيء بما فيها من الحياة ذاتها.
لم يكن طارق الدليمي يملك شيئًا سوى قلب كبير ينبض بحب الخير، وحفنة كتب وبضعة اصدقاء، وذاكرة تتّسع للعالم، وحلم يمتدّ إلى أقصى مكان في الأرض حمله معه في حلّه وترحاله.
الشقاء “اللذيذ” و”الوعي المبكّر” هما اللذان جعلا منه “طارق الدليمي” الإنسان الحسّاس والمثقّف الفائق الإبهار.
له الذكر الطيب ولروحه الراحة الأبدية.
طارق الدليمي اشتياقًا
طارق الدليمي سلامًا